www.arabnc.org
   
الصفحة الرئيسة
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
المشاركون في الدورة ا
المشاركون في الدورة ا
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول المشاركين 30
جدول المشاركين 31
جدول المشاركين 32
جدول المشاركين 33
الأول 1990
الثاني 1991
الثالث 1992
الرابع 1993
الخامس 1994
السادس 1996
السابع 1997
الثامن 1998
التاسع 1999
العاشر 2000
الحادي عشر 2001
الثاني عشر 2002
الدورة الطارئة 2002
الرابع عشر 2003
الخامس عشر 2004
السادس عشر 2005
السابع عشر 2006
الثامن عشر 2007
التاسع عشر 2008
العشرون 2009
الواحد والعشرون 2010
الثاني والعشرون 2011
الثالث والعشرين 2012
الرابع والعشرون 2013
الخامس والعشرون 2014
السادس والعشرون 2015
السابع والعشرون 2016
الثامن والعشرون 2017
التاسع والعشرون 2018
الثلاثون 2019
الواحد والثلاثون 2022
الثاني والثلاثون 2023
الثالث والثلاثون 2024
القائمة البريدية
بحث
تصغير الخط تكبير الخط 
رد على مقال ((مواقف 2013))

في رد على مقال الأخ مصطفى اللداوي "زيف التوافق القومي الإسلامي"

الكتلة التاريخية ترجمه لوحدة الأمة
قضايا اللقاء كثيرة وليس أولها أو آخرها السلطة

رحاب مكحل 
4/7/2013


خيار التوافق القومي – الإسلامي، (منذ أن انطلقت فكرته في ندوة "الحوار القومي – الديني" التي انعقدت بدعوة من مركز دراسات الوحدة العربية عام 1989، وشهدت نقداً ذاتياً جريئاً، قام به ممثلون التيارين لأدائهم في مرحلة الاحتراب القومي – الإسلامي)، لم يقع دعاته يوماً في وهم "التطابق القومي – الإسلامي"، وهو تطابق غير متوافر حتى داخل كل تيار من التيارات الرئيسية في الأمّة، بل هو غير موجود داخل الأحزاب نفسها.
كان التوافق آنذاك ثمرة استشراف مستقبلي علمي قام به المركز نفسه قبل سنوات حول السيناريوهات التي ستحكم مستقبل الأمّة العربية، مؤكّداً أن السيناريو الإنقاذي للأمّة يعتمد على أمرين: أولهما إعداد مشروع نهضوي عربي تتلاقى حوله تيارات الأمّة بأسرها، ويشارك في وضعه ممثلون لهذه التيارات، وثانيهما كتلة تاريخية تضمّ كل تيارات الأمّة، من إسلامية ويسارية عروبية، وليبرالية ووطنية، وقومية كلاسيكية، تلتقي حول هذا المشروع وتسعى إلى تحقيقه ووضع برامج تترجمه على الصعيد القطري.
لذلك لم تكن فكرة الكتلة التاريخية مجرد رغبة سياسية لدى نخب سياسية أو ثقافية، كما قد يبدو للبعض، بقدر ما كانت رؤية إستراتيجية وتاريخية تسعى لحشد طاقات الأمّة في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية من جهة، كما تسعى من جهة أخرى لإدارة الاختلاف بين هذه التيارات، بل وداخل كل تيار، على نحو لا يتحول فيه الاختلاف إلى خلاف فإلى احتراب أهلي يكرر مآسي دفعت الأمّة ثمناً باهظاً لها، ولم يكن احتراباً بين القوميين والإسلاميين فقط، بل كان داخل التيار الواحد، وأحياناً في الحزب الواحد.
ويعرف الأخ مصطفى اللداوي جيداً، (وخصوصاً أنه من الذين التحقوا مبكراً بهذه التجربة، من خلال موقعه آنذاك في مؤسسة القدس الدولية، التي انطلقت فكرتها من رحم التيار القومي وتبنتها قوى وجماعات وشخصيات من التيارين ومن تيارات أخرى ومن كل الأقطار، وجسّدت بشكل يومي تكامل التيارات جميعاً في سبيل إنقاذ القدس وتحرير فلسطين)، أن قضايا خلافية حادة قد برزت خلال العقدين الماضيين، وكان يمكن لأيّ خلاف حولها أن يؤدي إلى تفجير التوافق القومي – الإسلامي، لكن القاعدة التي اعتمدت طيلة هذه المرحلة هي القاعدة التي اعتمدها الإمام الشيخ محمد رشيد رضا، "نعمل فيما أتفقنا فيه، وليعذر بعضنا بعض فيما اختلفنا فيه".
ولم تكن زيفاً تلك الإنجازات التي حققها "التوافق" بين التيارين القومي والإسلامي، سواء على صعيد مؤسسات أقامها، أو مبادرات أطلقها، أو ملايين حرّكها، خصوصاً من أجل المقاومة في فلسطين والعراق ولبنان، بالإضافة إلى دور القوميين في الدفاع عن إسلاميين عندما تعرضوا للسجن أو الظلم، ووساطات عديدة قام بها أهل التوافق لتذليل صعوبات اعترضت العمل المشترك، ولمنع صراعات كان يمكن أن تنفجر هنا وهناك.
وكم كنت أتمنى أن لا يكون الأخ مصطفى متسرعاً في اتهامه للقوميين بأنهم كانوا جزءاً من السلطة وركناً من أركان الحكم، وهو يعرف تماماً أن اتهامه مناقض للواقع، وأن من رموز التيار القومي من أعدم أو استشهد تحت التعذيب، أو أمضى عقوداً في السجون، أو كان في طليعة التحدي لأصحاب السلطة في العديد من أقطار الأمة، أو كان بين أوائل من استهدفتهم قوى الاحتلال في قوائمها وعبر التشهير بها، والأمثلة كثيرة جداً.
وكان هذا التوافق محكوماً دائماً بمعايير أو ما يمكن تسميته بأهداف المشروع النهضوي العربي وعناوين مشتركة أخرى جرى الاتفاق عليها خلال تأسيس المؤتمر القومي – الإسلامي، وكان الهدف من الاحتكام لمبادئ ومعايير يرمي إلى منع تصوير "التوافق" وكأنه مجاملات ولياقات "وبوس لحى"، بل هو وسيلة لتحقيق أهداف ومبادئ مشتركة.
والآليات التي ارتكز عليها هذا "التوافق" الأصيل كانت أيضاً واضحة، وهي آليات الحوار والتعاون المشترك، وإلغاء فكرة الإقصاء والاستئثار والاحتكار، خصوصاً أن أبرز أسباب النكسات التي أصابت مسيرة الأمّة يكمن في سقوط البعض من التيار القومي، وأحياناً من التيار الإسلامي، في فخ الإقصاء والاستئثار والاستحواذ، لاسيّما حين يصل إلى السلطة، أو حين يلجأ إلى تكفير الآخر.
ويدرك الأخ مصطفى، كغيره، أنه كان بين القوميين من رفض منذ البداية ولأسباب أيديولوجية هذا التلاقي مع الإسلاميين، كما كان بين الإسلاميين أيضاً من لم ينخرط أساساً بهذا التلاقي وبقي محصناً بخطاب تكفير غير الإسلاميين، وغير المسلمين، بل تكفير المسلمين الذين لا ينضوون تحت لوائهم.
الأخ مصطفى يعلم كذلك أن هذا "التوافق" قد وصل إلى مرحلة الانسجام السياسي الواسع إلى الدرجة التي لم تكن تستطيع أن تميّز من خطاب المتحدثين من ينتمي منهم إلى التيار الإسلامي أو إلى التيار القومي، لاسيّما في أن الأدبيات التاريخية للتيارين ما يساعد على إيجاد لغة مشتركة، ناهيك عن قضايا كبرى تجمعهما، لاسيّما القضية الفلسطينية.
ويدرك الأخ مصطفى أيضاً، أن القوميين مثلاً لم يحمّلوا التنظيم الدولي للإخوان المسلمين مسؤولية مشاركة "فرعهم" العراقي في مجلس "بريمر" للحكم الانتقالي في العراق بعد الاحتلال الأمريكي، ثم في الحكومة التي نصّبها المحتل في بغداد، وساعده في موقفه ذلك تبرؤ العديد من تنظيمات الإخوان المسلمين في الوطن العربي من هذه المشاركة، تماماً كما لم يحلّ الخلاف مع أحزاب وجهات أخرى حرصت على بقاء علاقتها بأحزاب عراقية جاءت إلى العراق فوق الدبابات الأمريكية، دون التمسك بنقاط التقاء عديدة، لاسيّما دعم المقاومة ومقاومة المشروع الأمريكي – الصهيوني.
وكم كنت أتمنى أن لا يستخدم الأخ مصطفى المثال المصري كدليله على "زيف التوافق" وذلك لسببين:
السبب الأول: إن الخلاف الذي دار ويدور اليوم في مصر هو خلاف سياسي بالدرجة الأولى، وهو ليس بين القوميين وحدهم وبين الإسلاميين، بل بين أطراف عديدة في مصر، بينها إسلاميون بارزون كحزب مصر القوية برئاسة د. عبد المنعم أبو الفتوح، وصولاً إلى حزب النور السلفي نفسه، ناهيك عن شخصيات فكرية وثقافية مرموقة ومحسوبة تاريخياً على التيار الإسلامي.
السبب الثاني: لم يكن موقف القوميين خارج مصر، بأغلبهم، مجرد تأييد أعمى لموقف زملائهم القوميين والناصريين في مصر، بل سعوا عبر مؤتمرهم القومي، وعبر المؤتمر القومي – الإسلامي، لإجراء وساطة بين "الإخوان" والقوميين العروبيين في مصر، باتت تفاصيلها معروفة للكثيرين، لكنهم لم يلحظوا أي مرونة في مواجهة مبادرتهم، بل كان هناك تباين واضح في تقدير الموقف، وفي تقدير خطورة الأوضاع في مصر، وهو ما أثبتته التطورات الأخيرة بكل نتائجها.
ولو أن الرئيس محمد مرسي قد وافق خلال وساطات قامت بها شخصيات المؤتمر القومي العربي والقومي – الإسلامي، على تشكيل حكومة ائتلافية، وعزل النائب العام، والدعوة إلى انتخابات وفق قانون دستوري متفق عليه (وهي المطالب التي حملتها هذه الشخصيات)، لربما تجنبنا كل ما نواجهه هذه الأيام.
وعلى كل حال بقي المؤتمر القومي العربي متمسكاً بهذا التلاقي القومي – الإسلامي، وبالمؤتمر المجسّد لهذا التلاقي، كما جاء في بيان دورته الرابعة والعشرين في القاهرة بتاريخ 2/6/2013، والتي لم يسجل أي عضو من الأعضاء الذين حضروا وعددهم 216 شخصية، أي تحفظ عليها، ذلك لأن فكرة "الكتلة التاريخية" هي حاجة استراتيجية للأمّة. وبعد التغيير الذي وقع في 3 يوليو 2013، ارتفعت أصوات رموز قومية تدعو إلى رفض ممارسات الانتقام والتشفي بحق " الإخوان" وحلفائهم، بل تؤكد على أنهم جزء أصيل من مكونات مجتمعاتنا ينبغي بقاء التواصل معه على قاعدة المراجعة الجريئة لأخطاء التجربة المرّة.
وهناك قضايا كثيرة، أهمّ من الصراع على السلطة، يمكن لكل شرفاء الأمّة من كل التيارات أن يتلاقوا حولها، وفي مقدمها قضية فلسطين ومقاومة المشروع الأمريكي – الصهيوني للأمة، وندعو الأخ مصطفى، وغيره من المشككين بجدوى التوافق القومي - الإسلامي إلى وضع جهودهم لتذليل كل العقبات مشدّودين إلى المستقبل لا غارقين في الماضي.
الكتلة التاريخية اليوم هي الترجمة البسيطة لوحدة النضال العربي، لوحدة القضية العربية، ولوحدة الأمّة، وينبغي أن نعاملها بهذا المستوى بعيداً عن توترات لم تنحصر، ولن تنحصر، بين هذا التيار أو ذاك، بل شهدتها كل التيارات فيما بينها، وداخل كل منها.
 والأخ مصطفى وأمثاله ممن شاركوا في مؤتمرات ومبادرات قومية، وقومية – إسلامية، مدعوون إلى الدفاع عن هذه الكتلة التاريخية وتصحيح أي خلل يشوب العلاقات بين مكوناتها لأن الأمة في غيابها ذاهبة إلى المجهول.


******************************************************************

زيف التوافق القومي الإسلامي


مصطفى اللداوي
27/6/2013


لسنين طويلة مضت ظننت أن التيارين القومي العربي والإسلامي قد توافقا، وأنهما قد قفزا على مشاكلهما الداخلية، وقد طويا صفحاتٍ سوداء من تاريخهما الذي اتصف بالتصادم وعدم اللقاء، وشابه خلال سنواتٍ طويلة في النصف الثاني من القرن العشرين، مواجهاتٌ وصداماتٌ مسلحة، أودت بحياة الكثير، وأضرت بمصالح البلاد ومرافقها العامة، وأثرت على سمعة الدول العربية ومكانتها الدولية، وتسببت في قطع جسور التوافق والتلاقي بين التيارين، بعد أن بالغ التيار القومي الذي كان يحكم في أكثر من بلدٍ عربي في رد فعله على أتباع التيار الإسلامي، فاعتقل الآلاف منهم، وحاكم وأعدم المئات من خيرتهم، كما ساهم في تشريد وهروب أو هجرة عشرات الآلاف من المنتسبين للحركات الإسلامية.
ظننت أنهما قد تجاوزا الماضي، وقد تخلصا من ربقة الأنظمة السابقة، وأعلنا البراءة من كل ما سبب القطيعة بينهما، أو كان له دور في إثارة الخلافات والتناقضات بينهما، أو دفعهما للتنازع والاقتتال، وأنها رحما الأجيال التالية من الاحتكام إلى تاريخ أسلافهم، وتحمل مسؤولية أخطاء السابقين، بعد أن أدركا أنهما يمثلان جناحي الأمة التي بهما تنهض وتحلق، وبدونهما أو بأحدهما تصبح ضعيفةً مهيضة الجناح، عاجزة عن التحليق أو المواجهة، وأضعف من أن تصمد وتبقى.
ولكن هذا التزاوج بينهما كان يلزمه تسامحٌ ومصالحةٌ، وإقرارٌ من الطرفين بحاجةِ كلِ طرفٍ إلى الآخر، وأن أحدهما لا يستطيع شطبَ الآخرِ ولا تجاوزه، وأنه لم يعد من الممكن أن يحكم فريقٌ الآخر، أو أن يجبره على الخضوع والنزول عند أحكامه ومفاهيمه، كما لم يعد من السهل أن يتفردَ تيارٌ بحكم البلاد، وتسيير شؤون المواطنين، مهما كان قوياً وكبيراً، دون أن تنشأ بين التيارين تحالفاتٌ وتفاهماتٌ، تقوم على أرضية المشاركة في الوطن، وتقاسمِ الأعباء والمسؤوليات والواجبات.
وكان يسعدني كثيراً أن أرى أقطابَ التيارين القومي والإسلامي يتلاقيان ويتحاوران، ويتبادلان الابتسامات والتحيات، ويعقدان الخلوات والمؤتمرات، ويشتركان في الندوات والمحاضرات، ويحسن كلٌ منهما الإصغاء إلى الآخر، وتقدير آرائه واحترام أشخاصه، مع حرصٍ واضحٍ على تجاوز الماضي، والتعامل وفق مفردات الحاضر، والاعتراف بأهمية كل فريق، وبوجوب أن يكون له دور ومساهمة، فلا هيمنة ولا سيطرة، ولا شطب ولا إلغاء، ولا تهميش ولا إقصاء، ولا حرمان ولا اجتثاث، وإنما تقاسمٌ ومشاركةٌ، وتلاقي وتحاورٌ وتفاهم، وهو ما بدا جلياً في المؤتمرات القومية الإسلامية، وفي مؤتمرات الأحزاب العربية، وفي مؤتمرات القدس والملتقيات العديدة التي عقدت من أجل القدس والأسرى وحق العودة وغيرها.
ولكن ما بال العهد بين التيارين قد نُقض، والحلف الذي بينهما قد انهار، والتفاهم الذي كان قد انتهى، وكأن التيارين كانا يخدعان بعضهما البعض، وينافق كلٌ منهما الآخر، ويبديان خلاف ما يظهران، ويتحدثان نقيض ما يؤمنان أو يعلنان، وكأنهما كانا يدعيان التوافق وهما أبعد ما يكون عن اللقاء، فقد تواجه الفريقان، وتبارز التياران، ووقف كلٌ منهما في مواجهة الآخر، يتحديان بعضهما البعض، وقد صمم كلُ فريقٍ على النيل من الآخر أو إسقاطه، وأبديا في معاركهما المشبوهة الاستعداد لتدمير البلاد، وإزهاق أرواح المواطنين، وإهدار مقدرات الأمة، وتحطيم آمال الشعوب، بل والتحالف مع الغرباء، والاتفاق مع الأعداء، من أجل أن يستقوي فريقٌ على الآخر، ليسقطه أو يوهنه.
التياران يعلمان أنهما يخاطران بمصالح الأمة، ويعرضان أمن بلادنا العربية للخطر، ويدركان أن العدو فرحٌ بما يجري في بلادنا، وسعيدٌ بما يصيب قلوبنا ونفوسنا، وبما يلحق ببلادنا وبمؤسساتنا، فهو يتربص بنا، ولعله يذكي نار الخصومة بيننا، ويشعل فتيلها إن خبا أوراها، أو انطفأ لهيبها، فلا مصلحة لعدونا في أن نتفق، ولا أمل له بيننا أو بلادنا إن توافقنا وتلاقينا، ولهذا فإنه يستخدم بعضنا ليتسلل خلالنا، ويستغل خلافاتنا لينفذ بيننا، ويخدعنا ليكون له دورٌ ووجودٌ وتأثيرٌ ونفوذ.
كنا نظن أن ثورات الربيع العربي، وانحسار بعض الأنظمة الشمولية والديكتاتورية، التي حكمت الشعوب بالحديد والنار، وأغلظت في تعاملها مع أتباع التيار الإسلامي بأشد مما عاملة به أقطاب التيار القومي، الذي نَعِمَ في ظل أغلب هذه الأنظمة بالكثير من الحرية، فلم تُغلق مؤسساته، ولم تُسحب الشرعية من أحزابه، ولم تُصادر أمواله، ولم تُلاحق رموزه وأقطابه، ولم يُسجن أتباعه ومناصروه، بل كانوا جزءاً من السلطة، وركناً من أركان الحكم، كنا نظن أنهما سيتعاونان معاً، وسيتفقان على إدارة شؤون البلاد، وتسيير الحكم فيها، وكنا نظن أنهما سيتبعان الشرعية، وسيخضعان للديمقراطية، وسيحترمان نتائج الانتخابات، وما تفرزه صناديق الاقتراع، وأنهما سيذللان لبعضهما الصعاب، وسيزيلان من طريق بلادهما العقبات، وسيواجهان معاً الأزمات والتحديات.
لكن المفاجأة كانت انقلاب القوميين على الإسلاميين، وإعلان الثورة ضدهم، وتأليب الشارع عليهم، فقد رفض القوميون نتائج الانتخابات التشريعية والرئاسية، وشككوا في شرعية الانتخابات ونزاهتها، وطعنوا في دستورية الأحكام والمراسيم والقوانين، وحملوا القيادات الجديدة كل التركة القديمة، بكل ما فيها من فسادٍ وخرابٍ وتدهور، وما عليها من ديونٍ والتزاماتٍ وتعهدات، رغم علمهم أنها تركة الأنظمة السابقة، وأنهم لا يتحملون المسؤولية عنها، وإن كانوا يبدون تصميماً على مواجهتها والتصدي لها.
لكن التيار القومي آثر التحالف مع الفلول، والاتفاق مع بقايا الأنظمة التي السابقة، من الفاسدين والمتورطين والمشاركين في جرائم كبيرة، وهدد الأنظمة الجديدة التي فازت ديمقراطياً في انتخاباتٍ حرة ونزيهة، بالتنحي وترك الحكم، أو بالخروج إلى الشوارع، والاعتصام في الميادين والساحات، وتعطيل الحياة العامة، وتجميد مرافق الدولة، حتى تخضع الحكومات لبلطجتهم وتتنحى، رغم أنه لم يمض على هذه الأنظمة مدة زمنية كافية، تمكنهم من الإصلاح والانطلاق، ومن فتح كل الملفات والتعامل معها.
ألا يحق لنا أن نشكك في حقيقة تلاقي التيارين القومي والإسلامي، فقد كان لقاؤهما محض كذب، وحوارهما تسلية وتمضية وقت، واجتماعهما سرابٌ أو لالتقاط الصور وإحياء المناسبات، وأن الماضي الذي كان بينهما لم يغب، بل كان وما زال حاضراً وماثلاً بينهما كالجبال، يفصل بينهما، ويحول دون اتفاقهما بصدق، وأنهما كانا يخدعان شعوبنا، ويضحكان على أجيالنا، ويبطنان خلاف ما يظهران، وأنهما يخافان من بعضهما، ويرفضان احترام إرادة شعوبهما، وأن التيار القومي مازال يتطلع بعيونِ الماضي، ويحلم بسطوته القديمة، وسلطاته المطلقة، وأنه استعظم أن يفوز المظلومون، وأن ينتصر المعذبون، وأن يحكم البلاد الذين كانوا بالأمس في سجونها، ونزلاء زنازينها.