المؤتمر القومي العربي
ARAB NATIONAL CONFERENCE
الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي
تنعي الشخصية السودانية البارزة ياسين عمر الإمام
نعت الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي الشخصية السودانية البارزة والكاتب والصحافي الكبير الشيخ المجاهد ياسين عمر الإمام عن عمر يناهز 82 عاماً بعد أن أمضى عمره في العطاء والنضال والتضحية .
وقد نعى عضو الأمانة العامة للمؤتمر الأستاذ محمد حسب الرسول الفقيد بما يلي:
انتقل إلى رحمة الله تعالى يوم أمس الاثنين 23/7/2013 الشيخ يسن عمر الإمام الرمز العربي والإسلامي الكبير. ولد الفقيد في العام 1931 في واحد من بيوت العلم والدين بمدينة أم درمان بالسودان ، عمل في سلك التعليم ثم انتقل للعمل بالصحافة حيث تولى رئاسة تحرير عدد من الصحف السودانية في حقب سياسية مختلفة ، وكان صاحب قلم يشكل بصدق وجرأة واقتدار الرأي العام السوداني حول القضايا الوطنية والقومية وقضايا العالم الإسلامي .
لم يكن تأثير الشيخ يسن عمر الإمام في القضايا التي يؤمن بها قاصراً على استخدام قلمه عبر الصحافة التي كان واحداً من روادها لكنه استطاع أن يصنع لرأيه طريقاً فريداً من خلال البرلمانات السودانية التي شُرفت بعضويته فيها منذ عقود مضت . صنع خلق الشيخ يسن الدمث من شخصيته محطة للتلاقي الوطني حيث حظي بتقدير واحترام كل القوى السياسية السودانية من أقصي اليسار الذي بدأ حياته السياسية والفكرية معه وحتى اليمين الإسلامي الذي عمل في صفوفه الأولى منذ نهاية الخمسينات وحتى وفاته.
ومثلما كان محط احترام وتقدير السودانيين بكل ألوان الطيف السياسي والفكري كان كذلك على مستوي الساحتين القومية والإسلامية حيث عُرف في كافة محافل العمل الشعبي عابراً للقيود الحزبية مصوباً جهده نحو التوافق ومساهماً في حشد الطاقات والقدرات نحو قضايا الأمة متمثلة في تحرير فلسطين، وتحرير الإنسان والأوطان في عالمنا العربي والإسلامي من الهيمنة والاستغلال والسمو بهما نحو سماوات الحرية والكرامة الإنسانية والقيم السامية الكبرى .
كان للفقيد سهماً عظيماً في قضايا الأمة كلها وبخاصة قضية فلسطين التي نذر لها عمره وروحه وعمل من اجلها بكل إخلاص وتفانٍ فقدم لها ما تستحقه من المساهمات في مجالات السياسية والفكر والدعم المالي وغيرها ، ولفرط إيمانه بقضيتها وشدة حبه ووله بها فقد تمنى أن تُقبض روحه فوق أرضها وأن يُقبر في ترابها إلى جوار الأقصى ، لذلك عقد العزم ليكون واحداً من أفراد سفن الحرية وقد خط لذلك غير أن المرض قد حال بينه وبين هذه الأمنية الغالية .
إن الأمة تفقد اليوم رجلاً من رجالها العظماء الأماجد شُرفت به في حياته وتشرف بها في مماته الذي رسم وبأوضح الصور أبلغ مشاهد التلاقي والتواصل السوداني في ساعة الصلاة عليه وساعة دفنه وما بعدهما .
ألا رحم الله الشيخ يسن عمر الإمام رحمة واسعة بقدر ما قدم وأعطى على مدار عمره العامر بالوفاء لأمته والباذخ بالإخلاص لقضاياها، ولئن فقدت الأمة رجلاً من رجالها فإن العزاء في أن يثمر غرسه وتورف ظلاله من خلال جهده في مؤسسات العمل الشعبي العربي ممثلة في المؤتمر القومي العربي والمؤتمر القومي الإسلامي ومؤتمر الأحزاب العربية ومؤسسة القدس الدولية والمؤسسات الاجتماعية الأخرى التي كان يرعى من خلالها اليتامى والفقراء .
وإنا لله وإنا إليه راجعون
23-7-2013
*******************************************************************
ياسين عمر الإمام
رمح سوداني وجهته فلسطين
معن بشور*
*رئيس المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن، الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي
24/7/2013
"متى سيكون موعد الأسطول القادم لكسر الحصار على غزة"، بهذا السؤال المفعم بالحرارة استقبلني ذلك الرمح السوداني، المغمس بعمر طويل من الإيمان والكفاح والتضحية بأغلى ما يملك، حين زرته قبل عامين ونيف، كما افعل في كل مرة ازور فيها السودان، وذلك في منزله القديم في أم درمان أبان مشاركتي في مؤتمر مؤسسة القدس الدولية...
واستطرد الشيخ ياسين عمر الإمام قائلاً: "هذه المرة لن أقبل إلاّ أن أكون على متن هذا الأسطول" دون أن يعلم أن العدو الصهيوني قد نجح بعد مرارة تجربته مع "سفينة مرمره" أن يجعل من البحر المتوسط بحيرة إسرائيلية.
قلت لصديقي محمد حسب الرسول الذي اصطحبني إلى منزل المجاهد والكاتب والصحافي والأديب الشيخ الإمام – رحمه الله -: "هل يعقل أن نكون في السودان ولا نزور "الشيخ الإمام" خصوصا بعد تفاقم مرضه الذي أقعده في منزله، بل خصوصاً إننا في حضرة القدس، التي شغلت "العم" ياسين وسكنت وجدانه وفكره"؟.
كانت الدقائق التي أمضيناها في الطريق حافلة بحكايات ذلك المجاهد الذي أجمع على احترامه كل السودانيين بيسارهم ويمينهم، بإسلامييهم وليبرالييهم، "بترابيهم"، نسبة للدكتور حسن الترابي، و "ببشيرييهم"، نسبة إلى الرئيس عمر حسن البشير.
كان ذلك الرجل يجسّد الرحابة السودانية بكل معانيها، كما يجسّد الهوية العربية دون تعصب، والنقاء الإسلامي دون تمذهب، والسحر الأفريقي دون تبجح، فلم يهادن في عقيدته ولكنه لم يجعل من عقيدته متراساً يطلق من خلفه النار على عقائد الآخرين وقناعاتهم، ولم يساوم في مبدأ، لكنه لم يسمح لمبدئيته أن تجعل منه "فظاً غليظ القلب" فينفض الناس من حوله.
علمته الأيام إن الاختلاف بالرأي لا يفسد للود قضية، وان التباين في المواقف يجب أن لا يكون سبباً للقطيعة بين أبناء الوطن الواحد...
لم تحل يساريته في مقتبل العمر بينه وبين الالتزام بالإسلام عقيدة وثقافة، حاله في ذلك حال معظم اليساريين في السودان وعلى رأسهم القائد الشيوعي الشهيد عبد الخالق محجوب وخليفته الراحل محمد إبراهيم نقد، كم لم يضعف انتسابه فيما بعد إلى الحركة الإسلامية السودانية (وكان من روادها الأوائل)، من حسه العالي بالقضايا الاجتماعية التي تهم فقراء بلاده، والانتماء العربي القومي، والانشغال بقضايا أفريقيا التي كان يعتبر الشيخ ياسين ورفاقه انه لهم فيها رسالة تاريخية هو تعميق الروابط الحضارية والروحية والثقافية بين العرب من جهة، وثلثاهم من الأفارقة، وبين الأفارقة ونصفهم من العرب من جهة ثانية.
صاحب القامة المديدة كان أيضاً صاحب همة عالية لم تستسلم لمرض أو ليأس أو لوهن، بل كنت تراه حاملاً رسالته، رسالة التقريب بين أبناء الأمة وتياراتها، ورسالة التحرير من كل أنواع الاحتلال والهيمنة، متحركاً من عاصمة إلى أخرى، ومن مؤتمر إلى ملتقى، غير آبه بنوبات قلبية تصيبه هنا أو هناك وتنقله من قاعة المؤتمر إلى "طوارئ" المستشفى، حتى تمكن المرض من جسده فأقعده في المنزل دون أن يتمكن من همته وعطائه.
بقي يكتب في جريدة (رأي الشعب) المعارضة التي كان يرأس تحريرها حتى توقفها بقرار سياسي، وبقي يتجاوب مع كل مبادرة خير لاسيّما، ونداء كفاح، لاسيّما حين يكون الأمر متعلقا بفلسطين التي قال لي في لقائي الأخير معه عنها: "إن أعظم أماني هو أن أستشهد فوق أرضها"، ولا أنسى كيف ترك السودان لأيام وأسابيع كي يبقى مع المبعدين الفلسطينيين في "مرج الزهور" في البقاع اللبناني عام 1991، وبينهم الشهيد الكبير عبد العزيز الرنتيسي، وحين اضطرت سلطات الاحتلال إلى إعادتهم إلى بلادهم بسبب صمودهم، والموقف اللبناني الصلب آنذاك، كنت تسمع الشيخ ياسين يتمتم قائلاً:" ليتني اذهب معكم لأكحل عيني بأرض فلسطين، وأصلي في الأقصى، واستشهد في القدس الغالية على كل مؤمن".
من يعرف ياسين عمر الإمام يدرك انه كان من طينة فريدة من المناضلين، فلم يطمح يوماً لمنصب رسمي، رغم أن المناصب كانت في متناول يديه في أكثر من مرحلة، ولم يسعى يوما لجمع المال رغم أن حصوله عليه لم يكن صعباً بالنسبة لأمثاله، وكان شعاره الدائم "يجب أن نفكر كيف نعطي لبلادنا والأمة، لا كيف نأخذ منها".
ولقد صدق وعد الشيخ ياسين لربه، فأعطى الأمة كل عمره، وأعطى السودان اثنين من فلذات أكباده شهيدين في سبيل وحدة الوطن وسلامة ترابه ودوره في محيطه العربي والإسلامي والإفريقي.
|