www.arabnc.org
   
الصفحة الرئيسة
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
المشاركون في الدورة ا
المشاركون في الدورة ا
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول المشاركين 30
جدول المشاركين 31
جدول المشاركين 32
جدول المشاركين 33
الأول 1990
الثاني 1991
الثالث 1992
الرابع 1993
الخامس 1994
السادس 1996
السابع 1997
الثامن 1998
التاسع 1999
العاشر 2000
الحادي عشر 2001
الثاني عشر 2002
الدورة الطارئة 2002
الرابع عشر 2003
الخامس عشر 2004
السادس عشر 2005
السابع عشر 2006
الثامن عشر 2007
التاسع عشر 2008
العشرون 2009
الواحد والعشرون 2010
الثاني والعشرون 2011
الثالث والعشرين 2012
الرابع والعشرون 2013
الخامس والعشرون 2014
السادس والعشرون 2015
السابع والعشرون 2016
الثامن والعشرون 2017
التاسع والعشرون 2018
الثلاثون 2019
الواحد والثلاثون 2022
الثاني والثلاثون 2023
الثالث والثلاثون 2024
القائمة البريدية
بحث
تصغير الخط تكبير الخط 
المقاومة كخيار إستراتيجي للأمة: البُعد القانوني 2009 ((البعد القانوني 2009))

 المؤتمر العشرون
16 – 19 نيسان/ابريل 2009
    الخرطوم - السودان
 

المقاومة كخيار إستراتيجي للأمة: البُعد القانوني **
 د. محمد الحموري *


* عضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي.
** لا تعبر هذه الورقة بالضرورة عن رأي الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي.
*** لا يجوز نشر هذه الورقة كلا أو جزءا إلا بموافقة تحريرية من إدارة المؤتمر.


 

بسم الله الرحمن الرحيم


المقاومة كخيار إستراتيجي للأمة: البُعد القانوني


 

تمهيد وتقسيم:
تكاد الأمة العربية في الوقت الحاضر أن تكون فريدة في تقسيمها وتمزيقها إلى دول ودويلات، تستقل كل منها عن الأخرى، ليصبح لكل واحدة دستور وعَلََم ونشيد، ونظام سياسي يمارس السلطة على إقليم مقتطع من أرض الوطن الواحد للأمة الواحدة، ليستأثر بحكم شعب هو في حقيقته جزء لا يتجزأ من جسد الأمة الواحدة.
وإذا كان مبدأ سيادة الدول، قد نشأ في أوروبا وتكامل قانونياً فيها، فإن هذا المبدأ قد ارتبط بقيام دولة الأمة، واستقر عندما أصبح لكل أمة أوروبية دولة تجسد تلك الأمة، واستتبع ذلك أنه لا يجوز لدولة أمة أن تتدخل في شؤون دولة أمة أخرى. أما في الوطن العربي، فقد تم تطبيق مبدأ السيادة هذا على الدول والدويلات الإثنتين وعشرين التي تقسمت إليها الأمة العربية، وغدت كل واحدة من هذه الدول والدويلات دولة ذات سيادة، وبموجب النظام القانوني لكل واحدة منها أصبح المواطن العربي في كل دولة عربية أجنبياً في غير دولته، أي في الواحد وعشرين دولة الأخرى. وقد ترتب على التراكم الزمني لهذا التقسيم، أن أصبحت دول العالم وشعوبه تنظر إلى شعب أي دولة عربية وكأنه أمة قائمة بذاتها تجسدها تلك الدولة، وذلك بالنظر إلى أنه استقر لدى شعوب العالم تطابق حدود الدولة مع حدود الأمة. وهكذا فقدت الأمة العربية، وجود دولة تجسدها وتعبر عن إرادتها، وغدت الاصطلاحات مثل عربي وعروبة وأمة عربية، فاقدة لما ينبغي أن يكون لها من دلالات قانونية وسياسية في عالم اليوم.
والمحزن والمؤلم أن قواعد النظام القانوني الدولي ومعه المحلي، تجعل الاعتداء على شعب أي دولة عربية أو قتله أو تهجيره أو إستخدام الأسلحة المحرمة دولياً ضده، شأناً خاصاً بتلك الدولة، وغدا أمراً طبيعياً عند الدول العربية، أن تصبح شعوبها الهائجة إنتصاراً للأشقاء المعتدى عليهم في واد، والنظام الرسمي لتلك الدول في وادٍ آخر، شأن هذا النظام في ذلك، شأن نظام أي دولة أجنبية آسيوية أو إفريقية أو أوروبية، أقصى ما يمكن أن يفعله ذلك النظام هو الشجب والاستنكار الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. وحتى المقاومة التي يبديها الشعب العربي المُعتدى عليه، أصبحت تسمى إرهاباً، وتشارك الدول العربية في مؤتمرات تدعو إليها أمريكا، لإدانة هذا الإرهاب، وتجفيف المنابع المالية لتمويله، ومحاصرته لمنع وسائل الحياة من الغذاء والدواء عنه، واعتبار إيصال الأسلحة التي يدافع بها عن نفسه أو تزويده بها، جريمة لا تغتفر. وكل هذا يحدث باسم المجتمع الدولي والقانون الدولي، في حين أن هذا في حقيقته تزوير لمنطق الأسس التي انبثقت عنها قواعد القانون الدولي، فضلاً عن منطق التاريخ وعلم الاجتماع الذي يفرض على أبناء كل أمة أن يهبوا للدفاع عن أي جزء من أمتهم يتعرض للعدوان، انطلاقاً من حق الدفاع الشرعي عن الأمة الذي تكفله الشرائع السماوية والطبيعة البشرية والمواثيق الدولية والإقليمية سواء للأفراد أو الجماعات. ذلك أن الحق في المقاومة هو حق مقدس لأنه وسيلة الإنسان للبقاء حياً، إذ هو رد فعل طبيعي للإعتداء الذي يقع عليه، ويشكل حقاً طبيعياً فطرياً لصيقاً بالإنسان منذ ولادته. ومن غرائب هذا المجتمع الدولي بثوبه الأمريكي في الوقت الحاضر، أنه ينكر على أبناء الأمة العربية حق المقاومة، في حين أنه يعلم أن أياً من كائنات الأرض، تهب للدفاع عن نفسها عند الإعتداء عليها، أو حتى عندما تستشعر أنه يمكن أن يقع عليها اعتداء.
وفي ضوء ما سبق، سوف نبين مفهوم المقاومة، ثم تأصيل الحق فيها من ناحية قانونية، وبعد ذلك سوف نعرض للقواعد الدولية التي تحكم الحق في المقاومة في الوقت الحاضر، والفرق بين حق المقاومة والإرهاب، وبعدها نعرض لدور المقاومة بسلاح القانون، وكيفية ملاحقة إسرائيل بجرائم حربها على غزة، حيث ينسحب ذلك على الشعب العربي في فلسطين وفي أي قطر عربي يتعرض لاعتداءاتها.
أولاً: مفهوم المقاومة:
تشكل المقاومة عند الإنسان رد فعل غريزي تلقائي للإعتداء الذي يقع عليه، ذلك أن هذا الإعتداء يمكن أن يشكل إيذاءً له، أو خطراً على جسده أو حياته أو أسرته أو ماله، ومن ثم فإن ما يقوم به لدفع هذا الخطر هو تصرف بديهي وحق طبيعي، إذ بغيره تهدر كرامة الإنسان وحياته.
والبحث في حق الإنسان في الدفاع عن النفس وردّ الاعتداء الذي يقع عليه، هو من الناحية التاريخية، قديم قدم الإنسان، وكان التطور التاريخي الذي لحق بالمجتمعات قد كفل هذا الحق وتنظيمه، كما كفل توقيع العقاب بأسلوب منظم على المعتدي. وكما أن حق الإنسان في المقاومة يأخذ هذا المدلول الإجتماعي الإنساني الطبيعي، فإن حق الشعب في مقاومة أي إعتداء يقع عليه يخضع لذات المدلول والمنطق.
ومن الناحية الواقعية، قد يكون الإعتداء الذي يقع على الفرد أو الشعب، أكثر وأكبر من قدرة المعتدى عليه على رده أو صده، لكن ذلك لا يشكل نهاية المطاف، إذ أن هذا الإعتداء الذي لم يلق قدرة على الرد أو الصد، سوف يترك في النفس آثاره المؤلمة التي تتعاظم يوماً بعد يوم، حتى إذا ما استأنس المعتدى عليه قدرةً لديه للثأر، باشر رد فعله بكل ما يستطيع، إنطلاقاً من حق مهدور وكرامة جريحة. إن الشعوب الضعيفة التي يستقوي عليها الآخرون، تختزن آلام هذا الاعتداء، لتنفجر في رد فعل مقاوم بعد حين، تماماً كما هو حال حبس البخار داخل المرجل الذي يؤدي تراكمه إلى إنفجار كبير وشديد.
ومن الناحيتين السياسية والإنسانية، فإن ممارسة الشعب المعتدى عليه للمقاومة، تستهدف الإبقاء على وجوده حياً، وتستند إلى حق طبيعي في الحرية والعيش بسلام، ليكون هو الذي يحدد مصير نفسه وحكم نفسه وإصدار القرار الذي يخدم مصالحه.
أما من الناحية القانونية، فإن المقاومة تعني: سلوك ينطوي على ممارسة عملية التصدي للعدوان ومواجهته بكل السبل المتاحة بما فيها العمليات القتالية المسلحة التي يقوم بها مقاتلون من أبناء الشعب المعتدى عليه، دفاعاً عن وطنهم ضد أية قوة غازية أو محتلة. ولا يدخل في إطار المقاومة هنا الحروب النظامية التي تقوم بها القوات المسلحة، فهذه تدخل في مفاهيم أخرى في علاقات القانون الدولي، من حيث أنها تقاتل تحت علم دولة معتدى عليها، بأسلوب الجيوش النظامية التي تسيطر عليها وتحركها حكومات، وتخضع لتسلسلات قيادية حتى تصل إلى رأس الدولة. أما المقاومة التي يقوم بها الشعب، فهي رد فعل طبيعي وعفوي من هذا الشعب لمقاومة الاحتلال والتحرر منه، مستخدمة في ذلك جميع السبل والوسائل المتاحة لها. وإذا كانت ردة الفعل هذه تجعل المقاومة فردية أو على شكل مجموعات صغيرة في بداية الأمر، فإنه من الطبيعي أن ينظم المقاومون صفوفهم ليصبحوا تحت قيادة واحدة توزع بينهم الأدوار في مقاتلة العدو، سواء في داخل الوطن أو خارجه. فإذا كانت الجيوش النظامية تجسد إرادة الدول وفقاً للقانون الدولي، فإن المقاومة الشعبية تمثل إرادة الشعوب في الدفاع عن حقها في الوجود وحقها في الحرية والإستقلال والحياة الكريمة.
ثانياً: التأصيل التاريخي والقانوني للحق في المقاومة:
ينتمي حق الشعب في مقاومة المحتل والدفاع عن نفسه، إلى طائفة الحقوق المشروعة في القانون الدولي. وهذا القانون حديث النشأة مقارنة بفروع القانون الأخرى. لكن جذور القانون الدولي تعود إلى قرون مضت. وكان يسيطر على هذه الجذور في البدايات طابع أخلاقي قيمي يوجب على الدول وجيوشها سلوكاً تسيطر عليه الفضيلة والروح الإنسانية. وأول الدراسات التي كتبت في هذا الموضوع، وضعها العالم العربي المسلم محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة، في أواخر القرن الثامن الميلادي، وتابعه بعد ذلك العلماء المسلمون، حيث كتبوا الكثير عن المسائل التي أصبحت فيما بعد تدخل تحت إطار موضوعات ما أصبح يسمى القانون الدولي، وهي تنطلق من فهم إسلامي وقيم إسلامية لما ينبغي أن يكون. وقد غطت دراسات هؤلاء موضوعات مثل قواعد المعاهدات والروابط الدبلوماسية بين الدول، واللاجئين بسبب الحروب، وسجناء الحروب، والسلوك الذي ينبغي أن يسيطر على المقاتلين خلال المعارك، وحماية النساء والأطفال والمدنيين ... الخ.
وقد ظهرت أول الدراسات الأوروبية في موضوعات القانون الدولي من خلال كتابات هيوغو غروتيوس (Hugo Grotius) في أوائل القرن السابع عشر، وتأثر هذا الكاتب ومن جاء بعده من الفقهاء الأوروبيين، بكتابات ودراسات العلماء العرب والمسلمين في هذا المجال. ونمت بعد ذلك الدراسات التي تبلورت من خلالها قواعد القانون الدولي خلال القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر.
ويلاحظ أن الكتابات التي قام بها الأوروبيون والقواعد التي استخلصوها وتأثروا فيها بالطابع الأخلاقي القيمي الذي أخذوه عن المسلمين، قد ردّوا العديد منها إلى فكرة غامضة تستعصي على التحديد وهي فكرة "القانون الطبيعي"، التي تقول أن الإنسان وُلد حراً وأن الناس متساوون، وأن للإنسان حقوقاً ملتصقة به منذ ولادته لا يجوز الإعتداء عليها، وأن من حقه البحث عن الحرية ومقاومة من يعتدي عليه. وقد ظهرت مثل هذه الأفكار بشكل مكتوب كأساسٍٍ تستند إليه لأول مرة السلطة والدولة، في إعلان الإستقلال الأمريكي عام 1776 حيث جاء في مطلعه:
"إننا نؤمن بالمبادئ التي تقول إن الناس جميعاً خُلقوا متساوين فيما بينهم وأن الله خالقهم قد أعطاهم حقوقاً لا يمكن سلبها منهم، ومن هذه الحقوق حق الحياة وحق الحرية".
والحق في الحرية والحياة الوارد في الميثاق على النحو المذكور، يستوجب بالضرورة الحق في المقاومة. ولذلك فقد عمّد الأمريكيون هذا المعنى في التعديل الثاني الذي جرى على الدستور الأمريكي عام 1791 عندما جاء فيه، أن من حق المواطنين أن يدافعوا عن وطنهم وأن حقهم في حمل السلاح لهذه الغاية لا يجوز المساس به. ومع مزيد الأسف فإن هذا الذي ظهر لأول مرة مكتوباً كأساس وضعه الشعب الأمريكي لقيام دولته، عصفت به القيادات الأمريكية منذ بروز تطلعاتها الإمبراطورية خلال  القرن العشرين، فأصبحت قيم الشعب الأمريكي التي دوّنها في دستوره ومواثيقه في واد، وسلوكيات حكوماته في وادٍ آخر، إلى الحد الذي أصبح فيه احتلال فلسطين من قبل العصابات الصهيونية، وطرد الشعب الفلسطيني من أرضه مشروعاً في عرف أمريكا، وغدا من يقاوم الاحتلال دفاعاً عن أرضه وشعبه، وعن حقه في الحرية والحياة في نظر حكومات أمريكا إرهابياً.
وعلى أية حال، ففي أعقاب الثورة الفرنسية عام 1789، عمّدت فرنسا إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي أكد على أربعة حقوق طبيعية للإنسان لا يجوز المساس بها أو التنازل عنها وهي: حق الملكية، حق الحرية، الحق في الأمن، الحق في مقاومة الظلم والإستبداد. وإنطلاقاً من هذا، فقد أكدت المادة (33) من النص الثاني لإعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر عام 1793، أن الحق في مقاومة الظلم هو النتيجة الطبيعية لحقوق الإنسان الأخرى.
لكن سلوك فرنسا في العصر الحديث تنكر لمبادىء الثورة الفرنسية وقيمها، وأدبيات المقاومة الفرنسية للاحتلال النازي، وتجلى ذلك بإنكار فرنسا على أبناء فلسطين، وقبلهم على أبناء لبنان، حقهم في مقاومة الاحتلال الصهيوني وغدت شريكة لأمريكا في حصار غزة.
وأما بريطانيا فقد قام شعبها بقيادة كرومويل بأولى الثورات على الظلم عام 1649، واستطاع هذا الشعب قبل غيره من الأمم فرض ميثاق الحقوق عام 1688، وبعد ذلك إنهاء حكم آل ستيوارت، وإحلال أسرة هانوفر مكانها، حيث لا يزال أنسال هذه الأسرة يتعاقبون على الملك حتى الآن. لكن حكومات هذا الشعب الذي ثار على الظلم تنكرت لحقوق الإنسان، ومارست الاستعمار بأبشع صوره، وأصدرت وعد بلفور عام 1917 لتعطي للعصابات الصهيونية أرض فلسطين، وعملت من خلال انتدابها على فلسطين على استيراد يهود العالم لتقوم لهم دولة على أرض الشعب الفلسطيني.
وقد جاء إعلان جنيف الصادر في 9/6/1793، كخطوة متقدمة في مجال القانون الدولي وحق المقاومة، عندما تضمن "إعلان حقوق وواجبات الإنسان الاجتماعي"، حيث قررت المادة العاشرة والمادة الرابعة بعد الأربعين منه، أن لكل مواطن الحق في مقاومة الظلم الذي يقع عليه. وفوق ما سبق، فقد جاء في المبادئ التي أعلنها الرئيس الأمريكي توماس ودور ويلسون في أوائل القرن العشرين، أن المقاومة حق مشروع، وأن حق الشعوب في تقرير مصيرها أمر مقدس. أما إتفاقيات لاهاي لعامي 1899 و1907 فقد أكدت على مشروعية المقاومة الوطنية ضد العدوان والاحتلال، انطلاقا من حق الحياة المقدس والحق في تقرير المصير. ووفقاً للمادة الثانية من إتفاقية لاهاي لعام 1907، فإن المقاومين للعدوان هم مجموعة من مواطني الأرض المحتلة الذين يحملون السلاح ويتقدمون إلى قتال العدو، حتى ولو كان ذلك بدون أمر من أية حكومة، وإنما بدافع من وطنيتهم وواجبهم في الدفاع عن شعبهم وأرضهم، وأن هؤلاء المقاومين ينبغي أن تنطبق عليهم صفات المحاربين.
على أنه إذا كان ميثاق عصبة الأمم قد اصطبغ بإرادات الدول المستعمرة حماية منها لمصالحها، فإن حركات المقاومة قد نمت ومارست حقها في التحرر وحماية الشعب والأرض، قبل وضع ميثاق الأمم المتحدة عام 1945، ومن ذلك حركة الجيش الجمهوري الإيرلندي وحركة المقاومة الفلبينية خلال حرب أمريكا مع الفلبين (1902-1913) وحركة تحرر المكسيك. كما مارس العديد من الشعوب الواقعة تحت الحكم العثماني المقاومة دفاعاً عن حقها في الاستقلال وتقرير المصير طوال القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين.
وخلال الحرب العالمية الثانية، فقد قامت حركات التحرر التالية:
- حركة المقاومة الألبانية
- حركة المقاومة النمساوية
- حركة المقاومة البلغارية
- حركة المقاومة التشيكية
- حركة المقاومة الهولندية
- حركة المقاومة الفرنسية
- حركة المقاومة اليونانية
- حركة المقاومة الكورية
- حركة المقاومة النرويجية
- حركة المقاومة البولندية
وقد اعتبر المجتمع الدولي حركات المقاومة هذه حركات بطولة لأنها تستخدم السلاح كوسيلة للدفاع عن شعبها ووطنها في مواجهة الإحتلال والعدوان. ولا تزال أدبيات هذه الشعوب التي أفرزت المقاومة تسجل باعتزاز وفخر ما قام به المقاتلون دفاعاً عن أوطانهم، ويحرص كل جيل فيها على أن ينقل إلى الجيل الذي يليه من خلال المناهج الدراسية والجامعية بطولات المقاومين ليكونوا قدوة لشعوبهم ومثلاً يحتذى في المستقبل إذا ما تعرضت هذه الشعوب لأي عدوان. وقد وصل الحال بالمقاومة التي أطلقها الشعب الفرنسي للإحتلال النازي خلال الحرب العالمية الثانية، أن اعتبرت الجنرال الفرنسي بيتان، أشهر جنرالاتها، وبطل فرنسا في الحرب العالمية الأولى، خائناً لأنه هادن المحتل النازي وتعامل معه، ولم يشفع لهذا الجنرال أن دافعه لذلك، كان إنقاذ فرنسا من التدمير الذي يمكن أن تلحقه القوات المحتلة فيها.
ثالثاً: حق المقاومة في ظل ميثاق الأمم المتحدة والإتفاقيات والقرارات الدولية:
شكل صدور ميثاق الأمم المتحدة عام 1945، حقبة جديدة لنمو القواعد الدولية التي تعمّد الحق في المقاومة، وذلك على النحو التالي:
1. نصت المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة عام 1945 على أن للدول فرادى وجماعات حقاً طبيعياً في الدفاع عن نفسها إذا ما تعرضت لعدوان مسلح.
2. وأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 10/12/1948 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تحت الرقم (217أ) (د-3)، الذي أكد في مادته الأولى على أن "يولد جميع الناس أحراراً ومتساويين في الكرامة والحقوق"، وفي مادته الثالثة نص على أن "لكل فرد حق في الحياة والحرية". كما أكدت المادة (17) من هذا الإعلان على أن "لكل فرد حق في التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره، ولا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفاً". ولعل ما ورد في المادة (30) من هذا الإعلان، يوضح بشكل جلي كم هي جسامة الجرائم التي اقترفتها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني عندما نصت على أنه:
"ليس في هذا الإعلان أي نص يجوز تأويله على نحو يفيد انطواءه على تخويل أي دولة أو جماعة، أو أي فرد، أي حق في القيام بأي نشاط أو بأي فعل يهدف إلى هدم أي من الحقوق والحريات المنصوص عليها فيه".
والوضع الطبيعي في ظل الأحكام السابقة، أن حق المقاومة هو حق مقدس لرد العدوان الذي يقع على حياة الفرد أو الشعب أو حريته.
3. وقد أكد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم (2200أ) في كانون الأول/ديسمبر عام 1966، ليبدأ تنفيذه وفقاً للمادة (49)، اعتباراً من 23 آذار/مارس 1976، وفقاً لما جاء في ديباجته، على أن "الأسرة البشرية تؤكد بأن هذه الحقوق تنبثق من كرامة الإنسان الأصيلة فيه". وجاء في المادة الأولى أن "لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها". ونتساءل هنا، أليس الشعب العربي في فلسطين شعب من الشعوب الذين تشملها كلمة "لجميع" الواردة في النص؟ وما دام أن هذا الشعب قد سلبت حقوقه وأرضه ويتم الاعتداء عليه كل يوم، أليس من حقه مقاومة الاعتداء، وأن يمارس حقاً مقدساً في تقرير مصيره في التحرر من الاحتلال والتصدي لأبشع أنواع العدوان الذي تمارسه عليه إسرائيل؟
4. وجاء قرار "تصفية الاستعمار" رقم (1514) الصادر عن الجمعية العامة للأم المتحدة ليمثل في 14/12/1960 خطوة متقدمة عندما نص على: "إن إخضاع الشعب للإستعباد الأجنبي والسيطرة الأجنبية والاستغلال الأجنبي يشكل إنكاراً لحقوق الإنسان الأساسية ويناقض ميثاق الأمم المتحدة".
5. أما قرار الجمعية العامة رقم (637) تاريخ 16/12/1970، فقد اعتبرت فيه الأمم المتحدة أن حق الشعوب في تقرير مصيرها شرط أساسي للتمتع بسائر الحقوق والحريات.
6. وقد أكد قرار الجمعية العامة رقم (3101) تاريخ 12/12/1972 على حق الشعوب الخاضعة للإحتلال بالتحرر منه بكافة الوسائل.
7. في حين أن قرار الجمعية العامة رقم (3103) سنة 1973، المتعلق بالمركز القانوني للمقاتلين الذين يناضلون ضد الإحتلال الأجنبي والنظم العنصرية والسيطرة الاستعمارية، قد أكد على إضفاء الشرعية القانونية على ما يقوم به المقاومون، كما أكد على شمول المقاومين بقواعد القانون الدولي المعمول بها في النزاعات المسلحة مثل إتفاقيات جنيف لعام 1949.
8. وفوق ما سبق، فإن هناك العديد من القرارات الدولية التي تؤكد على حق المقاومة وشرعيته ضد الإحتلال بكل الوسائل الممكنة، ومن ذلك قرارات لجنة حقوق الإنسان الصادرة في 21/2/1979 و6/3/1989، وقرار الجمعية العامة الصادر في 3/12/1982 الذي يؤكد على شرعية حق الشعوب في المقاومة من أجل تحرير الأرض والتحرر من الهيمنة الأجنبية والإحتلال الأجنبي بكل الوسائل المتاحة، ومن ضمنها المقاومة المسلحة.
9. وانطلاقاً مما سبق، فقد أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة مرات كثيرة على حق الشعب الفلسطيني في المقاومة، وأن حقوقه في مواجهة الإحتلال غير قابلة للتصرف، مثل قرارات الجمعية العامة ذوات الأرقام:
- القرار رقم (3236) لعام 1974.
- القرار رقم (39/17) لعام 1984.
- القرار رقم (49/149) لعام 1995.
وقد أكدت هذه القرارات وغيرها الكثير، على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وفي استرداد حقوقه بكل الوسائل الممكنة بما في ذلك حقه في المقاومة والكفاح المسلح. ولكن ما دام أن هذه المقاومة هي في مواجهة جيش لدولة يشكل وجودها عدواناً على أرض وشعب فلسطين، وكان هذا يشكل عدواناً على كل قطر عربي وعلى شعب ذلك القطر انطلاقاً من وحدة الأمة العربية ووحدة وطنها العربي، خاصة وأن هذا الجيش وهو الأكثر تسليحاً وعدة وعتاداً، مارس كل وسائل التدمير والقتل حتى المحرمة دولياً بفضل أمريكا، تماماً وكأن إسرائيل إحدى الولايات الأمريكية، فإنه لا يجوز بأي حال أن يتخلى أبناء الأمة العربية شعوباً ودولاً عن الشعب الفلسطيني، الذي يشكل جزءاً لا يتجزأ من هذه الأمة، ويتركه وحيداً في مواجهة الجيش الصهيوني. لقد أثبتت المقاومة اللبنانية في تموز/يوليو عام 2006، وبعدها المقاومة الفلسطينية في غزة في أواخر عام 2008 وأوائل عام 2009، أن الوسيلة الوحيدة لقهر الجيش الإسرائيلي، هي المقاومة الشعبية المسلحة التي تستطيع تحييد التفوق العسكري الإسرائيلي، والوصول إلى أعماق مجتمعه العسكري وإنهاكه، وإفقاد دولة الصهاينة عنصر الأمن والاستقرار، لأن هذه المحصلة لم تستطع تحقيقها الجيوش العربية النظامية التي حُرّم عليها مجاراة الجيش الإسرائيلي في تسليحه. وعلى هذا، فإنه إذا أرادت الأمة العربية أن يكون لها مكان تحت الشمس في وقت لا مكان فيه إلا للأقوياء، وأن تسترد كرامتها التي أهدرتها الهزائم أمام عدوها الصهيوني، فليس أمامها من سبيل تسلكه، سوى اعتبار المقاومة المسلحة خيارها الاستراتيجي، وأن يصبح من واجبها توفير كل ما تحتاجه المقاومة، كوسيلة للتحرير، حتى تحقيق أهدافها باستعادة الأرض المغتصبة وعودة الشعب الذي تم تشريده إلى دياره التي طرد منها.
رابعاً: الحق في المقاومة وما أُثير حوله في مجال الإرهاب:
وفقاً لما أسلفنا من قواعد ومواثيق وقرارات دولية، فإن حق مقاومة الإحتلال هو حق مشروع ومعترف به لدى كافة الشعوب والدول وقواعد القانون الدولي. وإذا كانت أرض الأمة العربية في الوقت الحاضر قد أصبحت مطمعاً للغزاة والمغامرين في هذا العالم، فإن حق أبناء الأمة في أي قطر كانوا في نصرة المقاومة وفي نجدة إخوانهم في أي قطر عربي يتعرض للعدوان سواء كان ذلك في فلسطين أو العراق أو السودان أو الصومال، لا يستطيع أن ينكره عليهم أحد بدعوى التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الأقطار. ووفقاً للقواعد التي استقرت في القانون الدولي بالنسبة للمقاومة، فإن المعيار الأساسي لمشروعية المقاومة الذي يميزها عن الإرهاب، هو الغاية والهدف الذي يسعى إليه المقاومون. ذلك أن الغاية والهدف عندهم هي تحرير الأرض والشعب من الإحتلال، يدفعهم إلى ذلك مشاعرهم الوطنية وحقهم في الدفاع عن النفس وعن الوجود والبقاء. أما الإرهاب فأمره مختلف جداً، إذ أن الغايات النبيلة الإنسانية والمشروعة عند المقاومين لا تتوافر لدى الإرهابيين بأية صورة من الصور، وذلك لسبب بسيط وجوهري هو، أن الإرهابيين يسعون لتحقيق مصالح شخصية خاصة بهم وبتجمعاتهم، ولا شأن لهم بحق أو حرية لوطن محتل أو شعب معتدى عليه أو مطرود من أرضه.
والملاحظ أن أمريكا التي أصبحت تعتقد أنها هي المجتمع الدولي، وأن دور الأمم المتحدة هو أن تجسد إرادتها كدولة عظمى وحيدة مسيطرة في هذا العالم، لم تقبل حتى الآن بوضع تعريف ومدلول للإرهاب، وذلك حتى يظل الباب مفتوحاً أمامها لتطلق هذا الوصف على كل حركة مقاومة لا تسير بفلكها ولا تأتمر بأمرها. ويدل على ذلك ما قاله الرئيس جورج بوش الابن على أعقاب أحداث (11 سبتمبر) عندما أكد على أن من ليس مع أمريكا فهو ضدها وبالتالي مع الإرهاب. وبالمقابل فإن أمريكا لا تتورع عن دعم الكثير من حركات التمرد على السلطة الشرعية في العديد من البلدان إذا كانت هذه الحركات تسير في ركابها، متخطية بهذا السلوك سيادة تلك الدول التي يلزمها القانون الدولي باحترامها.
وهكذا فقد تم تصنيف أمريكا لحركات المقاومة في الوطن العربي بأنها تنتمي إلى الإرهاب، مع أن من الواضح أمام العالم أن حركات المقاومة في كل من فلسطين ولبنان والعراق وغيرها من دول الوطن العربي، تسعى إلى مقاومة المحتل وطرده من أرضها. ولعل ما يثير الاشمئزاز من سلوك أمريكا، هو عقد المؤتمرات الدولية التي تستهدف مزيداً من الحصار لشعب غزة ومنع وصول السلاح إليه، ووصف المقاومة الباسلة التي يقوم بها بالإرهاب، ومن ثم تجنيد العديد من الدول لإحكام الرقابة على غزة لمنع وصول السلاح إلى المقاومين. ووجه الغرابة في هذا السلوك هو، أنه ما دامت إسرائيل محتلة وفقاً للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وتقوم بحصار شعب غزة وتمنع عنه الغذاء والدواء، فإنه لا يستقيم مع حكم هذا القانون وتلك القرارات قبول المنطق الأمريكي الصهيوني بحرمان شعب غزة من حق المقاومة وحق التزود بالسلاح الذي يمكّن المقاومة من مواجهة المحتل ؟!!
إن السلوك الإمبراطوري الأمريكي وتبنّيه لإسرائيل الغاصبة لكل أرض فلسطين، وتشريدها لأكثر من نصف الشعب الفلسطيني، وما تقوم به من احتلال واستيلاء على الأرض، واعتداء وتدمير وإنكار للحق العربي في المقاومة، كل ذلك يشكل انتهاكاً للقواعد الدولية التي استقرت في عالم اليوم. ذلك أنه وفقاً لقواعد القانون الدولي التي أسلفنا، فإن الحق في المقاومة هو حق مقدس، ولصيق بجبلّة الإنسان ولا يجوز التنازل عنه من قبل أي جهة أو حكومة، أياً كان الوصف القانوني الذي تتحرك فيه، لأن هذا الحق هو ملك للشعب نفسه. أما شريعة الغاب التي تنتهجها أمريكا، فلا تعني سوى أمر واحد وهو إحلال هذه الشريعة مكان القواعد الدولية التي طورتها الأمم والشعوب، والتصدي للمقاومة بإرهاب تمارسه الدولة المحتلة، ومن ثم فإنه يتوجب على الشرفاء وأصحاب الضمائر الحية في هذا العالم، أن يقاوموا المسعى الأمريكي الصهيوني.
وفي ديننا الحنيف، فقد جاء في القرآن الكريم: "يا أيها النبي حرّض المؤمنين على القتال" (الأنفال: 65). وقول الحق تعالى: "قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم" (التوبة: 14). وقوله تعالى: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم" (الأنفال: 60).
وليس هناك من مناص أمام كل عربي ومسلم إلا أن يقول، إن إسرائيل ومن وقف خلف إنشائها عن طريق تمكين العصابات الصهيونية الهاغانا وشتيرن والأرغون وغيرها من احتلال فلسطين وتحولها إلى دولة، ثم رعاتها حتى الآن لتمارس إرهاب الدولة، نقول إن هؤلاء هم عدو الله وعدونا. ولا يجوز لعربي أو مسلم أن ينسى ذلك أو يتجاهل بأن الأقصى أسير ينتظر التحرير، لأن سرقة الأوطان، وطرد أبنائها، وقتل المدنيين أفراداً وجماعات، وتدمير مساكنهم، هي جرائم لا يتقادم عليها الزمن، ومن ثم فإن المقاومة تصبح حقاً بل وواجباً مقدساً، ولا ينبغي لها أن تتوقف،حتى نسترد الوطن الذي تمت سرقته جهاراً نهاراً ونعيد أبناءه إليه، وليس وصف ما حدث لفلسطين وشعبها بأن سرقة كلاماً عاطفياً أو إنشائياً، ذلك أن بن غوريون، وهو من قادة اللصوص الذين سرقوا الوطن الفلسطيني وطردوا شعبه، يعترف بذلك، والاعتراف سيد الأدلّة، عندما أورد ما يلي على لسانه ناحوم غولدمان           (Nahum Goldman) رئيس المؤتمر اليهودي العالميPresident of the World Jewish Congress) ) في كتابه(The Jewish Paradox, trans. Steve Cox, NY: Grosset and Dunlap, 1978, P.99)  .
حيث قال:
"لو كنت قائداً عربياً فإنني لن أقيم أبداً علاقات متبادلة مع إسرائيل، وهذا أمر طبيعي: فنحن قد أخذنا بلدهم وأرضهم .... أننا انحدرنا من إسرائيل، ولكن ذلك كان منذ ألفي عام، أيعني هذا لهم شيئاً؟ وصحيح أنه كان هناك معاداة للسامية، النازي، هتلر الألماني، لكن هل هذه غلطتهم؟ إنهم لا يرون إلا شيئاً واحداً وهو: أننا جئنا هنا وسرقنا وطنهم، فلماذا عليهم القبول بذلك".
وبلغة ناحوم غولدمان:
"If I were an Arab leader I would never make terms with Israel. That is natural: we have taken their country …. We come from Israel, but two thousand years ago, and what is that to them? There has been anti. Semitism, the Nazis, Hitler, but was that their fault? They only see one thing: we have come here and stolen their country. Why should they accept that?"
وما اعترف به بن غوريون، كرر الاعتراف به زئيف جابوتنسكي (Ze'ev Jabotinsky) (أنظر، ستيفن والت الأستاذ في جامعة هارفارد وجون ميرزهايمر الأستاذ في جامعة شيكاغو، في دراستهما حول أثر اللوبي الأمريكي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الإسرائيلية، ترجمة وتقديم الدكتور محمد الحموري، مطبعة مدبولي، القاهرة 2006، الهامش المتسلسل 37).
وانطلاقاً من هذا الاعتراف، يؤكد الأستاذان والت وميرزهايمر، وهما من أشهر خمسة عقول استراتيجية في العالم، بأن إنشاء دولة إسرائيل يشكل في حقيقته "جريمة أخلاقية" بحق الشعب الفلسطيني، وذلك باعتراف قادة إسرائيل أنفسهم. وبكلمات الأستاذين (ص17):
"The fact that the creation of Israel entailed a moral crime against the Palestinian people was well understood by Israel's leaders"
ولقد كانت سرقة الوطن الفلسطيني من قبل عصابات الإرهاب الصهيونية، لتشكل هذه العصابات دولة إرهاب على أرض فلسطين، وفقاً لتواطؤ دولي لا يزال يرعى هذا الإرهاب حتى الآن. فقد فتحت بريطانيا المؤتمنة على فلسطين بانتداب دولي، باب البيت الفلسطيني لتدخله العصابات الصهيونية المستوردة من جميع دول العالم، وزودتهم بكل الوسائل والأدوات اللازمة لسرقة الوطن ومباشرة أعمال القتل والتشريد لشعبه. وبعد أن تم ذلك، باركت أمريكا ما حدث وكافأت اللصوص عندما فرضت على الأمم المتحدة عام 1948 الاعتراف بأنه أصبح لهؤلاء اللصوص دولة، وأن سارق الوطن هو المالك، وأنه لا مكان للفلسطيني في بيته ووطنه، رغم أنه في جميع شرائع السماء والأرض هو صاحب الحق في الوطن والأرض. وكان على دول العالم وشعوبها أن تسمع الحجة القبيحة والتبرير الذي يهزأ بالعقول، وتسكت، إذ أن أسباب السرقة هي من أجل استعادةٍ لأرض كان قد سكنها اليهود قبل ألفي سنة!! وفي عرف أمريكا، فإنه ينبغي على العربي أن يسكت أيضاً، وإن قاوم لاسترداد وطن أقام وتناسل عليه من أجدادٍ، وأجداد أجداد، على مدى ألفي سنة، فهو يقوم بعمل إرهابي!!، ومن ثم فإنه يستحق القتل بسلاح أمريكي يضغط على زناده في فلسطين صهيوني.
ولبيان مدى مشاركة أمريكا لإسرائيل في الارتكاب المستمر لجرائم الإرهاب بحق الفلسطينيين والعرب بوجه عام، أشير إلى بعض ما قاله الباحثان الأمريكيان الإستراتيجيان، ستيفن والت وجون ميرزهايمر حول أثر اللوبي الإسرائيلي على السياسة الخارجية الأمريكية (المرجع السابق ص 14-16) عندما أوردا حقائق ينبغي أن لا تغيب عن ذهن أي عربي:
ووفقاً لما أكده الأستاذان، قامت أمريكا بتزويد إسرائيل بما يقارب (3 بليون) دولار لتطوير أنظمة تسليحية مثل طائرات (ليفي) التي لا يحتاجها أو لا يريدها البنتاغون، وفي ذات الوقت، فإن أمريكا فتحت لإسرائيل باباً للدخول والتعرف على أعلى مستوى من نظام التسليح الأمريكي مثل طائرات "البلاك هوك" وطائرات "ف-16"، وكذلك فقد منحت أمريكا إسرائيل إذن الدخول إلى المعلومات الاستخباراتية التي لا تقبل أمريكا أن يدخل إليها حتى شركاؤها في حلف الناتو، كما أغلقت أمريكا عيونها عن برنامج التسليح النووي الإسرائيلي.
ومنذ عام 1976، كانت إسرائيل المتلقي السنوي الأكبر للمساعدات الأمريكية الاقتصادية والحربية، كما كانت المتلقي الأكبر على الإطلاق للدعم الأمريكي منذ الحرب العالمية الثانية. فمنذ ذلك العام (1976) وحتى عام 2003 بلغ مجموع الدعم الأمريكي المباشر لإسرائيل ما يزيد على (140 بليون) دولار، وتتلقى إسرائيل ما يقارب (3 بليون) دولار على شكل مساعدة خارجية مباشرة كل عام، وهي تعادل ما يقارب (خُمس) الميزانية الإجمالية للمساعدات الأمريكية الخارجية. وأخذاً بالاعتبار عدد سكان إسرائيل، فإن أمريكا تقدم لكل فرد إسرائيلي دخلاً سنوياً مقداره (500) دولار. إن هذا السخاء وهذه الهبات هي في الواقع مذهلة، وخاصة عندما نعلم أن إسرائيل قد أصبحت الآن دولة صناعية غنية، ويساوي دخل الفرد فيها تقريباً دخل الفرد في كوريا الجنوبية أو إسبانيا.
وبالإضافة لما تقدم، "فقد زودت واشنطن إسرائيل بدعم دبلوماسي متواصل وثابت. فمنذ عام 1982 قامت أمريكا باستخدام حق الفيتو (32) مرة ضد قرارات مجلس الأمن التي تنتقد سياسة إسرائيل، وهذا الرقم يفوق في مجموعه عدد مرات حق الفيتو الذي تم استخدامه من قبل جميع أعضاء مجلس الأمن الآخرين. كما أجهضت أمريكا جميع الجهود العربية التي تسعى لإخضاع برنامج التسليح النووي الإسرائيلي لأجندة وكالة الطاقة الذرية الدولية."
وفي أوقات الحروب، فقد فتحت أمريكا باب ترسانتها العسكرية لإسرائيل، وأقامت معها جسوراً جوية تتكفل بتوصيل جميع أنواع الأسلحة والطائرات والدبابات والقنابل حتى المحرمة منها دولياً إليها. وخلال الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان وبعدها على غزة، زودت أمريكا إسرائيل بجميع أنواع أسلحة التدمير التي طورها العلم الحديث في عالم التسليح، لتصبح الأرض العربية ومن يقيم عليها ميداناً لاختبار فاعلية آلة التدمير التي تنتجها الشركات الأمريكية.
وفي حقيقة الأمر، فإن العقل الإرهابي الذي بُني على أساسه الكيان الصهيوني لا يعرف حدوداً لتجاوزه على حقوق الإنسان وتجاوز القيم والأخلاق والمواثيق الدولية والقانون الدولي. ولا أدل على ذلك من أن يختار الإسرائيليون شهر آذار/مارس 2009 حكومة يمين اليمين برئاسة نتنياهو لتجسد مطامعهم وعدوانيتهم ليصبح المغامر ورجل المافيا ليبرمان فيها وزيراً للخارجية، وليصبح شعار هذه الحكومة سلام مقابل سلام، بمعنى أن الأرض العربية قد أصبحت ملكاً للسارق الإسرائيلي وأنه لا يجوز التفكير بإعادة أي أرض للجانب العربي، وإلا فإنه يكون على العربي أن يواجه الإرهاب الذي تمارسه دولة الكيان الصهيوني بأبشع صوره.
وأتساءل: هل على المفكرين وأصحاب العقول والضمائر الحية في هذا العالم أن يقوموا بإلغاء دور عقولهم وضمائرهم وقيمهم، وتصنيف من يسعون لمقاومة المحتل الذي اغتصب أرضهم وشرّد شعبهم بأنهم إرهابيون، في حين أن الإرهابيين الحقيقيين الذين احتلوا الأرض وطردوا الشعب هم أصحاب الحق!
وهنا لا أملك إلا أن أقول إن عليك أيها العربي أن تفهم جيداً أن استرداد الأوطان لا يتم بالاستجداء، ولا بانتظار أن يتحول الأمريكي الشريك الكامل في الجرائم الإسرائيلية الى طرف نزيه يمكن أن يُحتكم إليه. إن عليك أيها العربي، أيها المسلم، أن تعدّ العدة وتتسلح بالقوة لترهب عدو الله وعدوك بمقاومة فاعلة ومواجهة إرهاب الدولة، وإلا فعليك أن تقبل العيش تحت ظل شريعة الغاب، لتنحدر أمتك الى أسفل سافلين، فهل ترضى بذلك.
خامساً: المقاومة بسلاح القانون:
تشكل الحرب الإرهابية التي شنتها إسرائيل على غزة على مدى اثنين وعشرين يوماً، أكثر الحروب وحشية وهمجية في التاريخ. فمن ناحية، سبق هذه الحرب حصار على غزة، منع خلاله وصول الغذاء والدواء لأكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني، كوسيلة لإنهاك شعب غزة قبل شن الحرب عليه، في حين أن قواعد القانون الدولي توجب على الاحتلال توفير وسائل الحياة، ماءً وغذاءً ودواءً، للشعب الواقع تحت الاحتلال. ومن ناحية أخرى، فقد مارست إسرائيل، ومن خلفها أمريكا وأوروبا، كل وسائل الرقابة في البر والبحر والجو، وخاصة من خلال الأقمار الصناعية التي تحسب على المحاصرين حركاتهم وحركات محيطهم، من أجل منع وصول أي نوع من السلاح الذي تفرض قواعد القانون الدولي حق من يقاومون الاحتلال بالحصول عليه واستخدامه. ومن ناحية ثالثة، فقد استخدمت إسرائيل خلال حربها على غزة، جميع أنواع الأسلحة، بما فيها المحرمة دولياً، فدمرت البشر والحجر، بما في ذلك المساكن والمدارس والمستشفيات وأماكن العبادة، وقتلت وجرحت الآلاف، في بيئة سبق أن أفقدتها مقدماً وسائل الحياة والاستشفاء، وجميع هذا بالمخالفة لقواعد القانون الدولي واتفاقيات جنيف لعام 1949 وملاحقها.
وحقيقة ما قامت به إسرائيل، أنه يشكل جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم إبادة الجنس، التي تعاقب عليها القواعد القانونية الدولية والوطنية على حد سواء. وإذا كانت الدول العربية قد تخلت عن شعب غزة خلال الحرب التي عانى منها ولا يزال، فلا أقل من أن تستخدم سلاح القانون في مواجهة إسرائيل، كحق للمقاومين في أن يروا من اعتدى عليهم قد نال العقاب الذي يستحقه بموجب قواعد القانون. أقول هذا، وأنا أعلم أن باع أمريكا طويل في حصار الملاحقة القانونية لإسرائيل بغية الالتفاف عليها وإفشالها. لكن الطرق القانونية متعددة، ويمكن النفاذ من خلالها أو من خلال بعضها لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين، سواء كانوا قادة سياسيين أو قادة عسكريين على اختلاف رتبهم وهذه الطرق هي:
1. إن باب المحكمة الجنائية الدولية التي لم توقع إسرائيل على ميثاقها، قد لا يكون متاحاً للملاحقة المباشرة، ولكن يمكن فتحه بقرار من مجلس الأمن، خاصة وأن الوثائق الدامغة لجرائم إسرائيل التي يعاقب عليها القانون الجنائي الدولي واستخدامها للأسلحة المحرمة دولياً، قد أصبحت واضحة ومتراكمة لدى العديد من المنظمات الدولية وأذرع الأمم المتحدة، وما صرح به أمين عام الأمم المتحدة خير دليل. وهذا يقتضي أن تقوم الدول العربية بطرح الموضوع أمام مجلس الأمن من أجل أن يتخذ قراراً يفتح به باب المحكمة الجنائية الدولية، ويحرك المدعي العام فيها لمباشرة التحقيق وتوجيه الاتهام.
وإذا كانت أمريكا سوف تستخدم حق النقض لمنع صدور أي قرار من مجلس الأمن في هذا المجال ضد إسرائيل، فليكن هذا، على الأقل لكشف إدارة أوباما أمام العالم، وأمام الدول العربية على وجه الخصوص، حتى لا تظل ترقب وتنتظر وتأمل الكثير من الإدارة الجديدة، التي جاءت تحت عنوان تغيير الوجه القبيح لأمريكا. وبعد هذا، يكون على الدول العربية أن تسأل أمريكا ماذا جنى الرئيس السوداني عمر البشير حتى يتم توجيه المحكمة الدولية لاتهامه، فهل أصبح انتماء الرئيس البشير لوطنه والتزامه الدستوري بالمحافظة على وحدة هذا الوطن جريمة، في حين أن المجرمين الحقيقيين في إسرائيل محصنون من القانون والقضاء الدوليين. وهل يحق لإسرائيل و/أو أمريكا، أن تقتل المئات من أبناء السودان لمجرد شبهة في أنهم يسيّرون قافلة سلاح في منطقة بورت سودان، والتعلل بأن من المحتمل أن تصل هذه القافلة إلى غزة ليستخدمها المقاومون ضد إسرائيل من خلال عبورها مصر وصحراء سيناء؟ إنه على العكس من ذلك، فإذا لم ينهض الرئيس السوداني وحكومته للدفاع عن وحدة أراضي السودان وشعبه فإنه يكون قد قصر في الوفاء بالتزاماته الدستورية والوطنية والقومية.
2. كذلك فإن باب الجمعية العامة للأمم المتحدة، باعتبارها صاحبة الولاية العامة، متاح لاستصدار قرار منها لتوجيه المحكمة الجنائية الدولية لممارسة صلاحياتها في مواجهة إسرائيل، ما دام مجلس الأمن عاجزاً عن ذلك، خاصة وأن غالبية الأعضاء في الجمعية العامة يمكن أن يمارسوا دورهم وواجبهم فيها، حيث لا تتمتع أمريكا بحق النقض هناك. وليس هناك من عذر للدول العربية في عدم سلوك هذا الطريق. فإن تقاعست، يكون على الشعب العربي في كل مكان أن يمارس الضغط على حكوماته، وليس له أي عذر في السكوت عن القيام بهذا الواجب.
3. أما محكمة العدل الدولية، فليس لها أي اختصاص جزائي لتنظر في موضوع الجرائم والعقوبات، ومن ثم فلا مجال لطرق باب هذه المحكمة، إذ اختصاصها يقتصر على الجانب الحقوقي الذي يقتصر على التعويض عن الأضرار فحسب.
4. لكن يظل الأجدى في مجال ملاحقة الجرائم التي قارفتها إسرائيل في غزة، هو اللجوء إلى المحاكم الوطنية ذات الاختصاص الدولي في نظر جرائم الحرب والإبادة والجرائم ضد الإنسانية. وهناك العديد من دول الإتحاد الأوروبي التي يملك قضاؤها هذا الاختصاص. وحيث أن كل حالة قتل أو جرح أو تدمير تعتبر جريمة بمفردها، فإنه يمكن حصر ما أمكن من هذه الجرائم وتوثيق الأدلة الجنائية المطلوبة لكل جريمة، ورفع دعاوى بشأنها توزع على قضاء الدول الأوروبية، لملاحقة كل من أمر أو ساهم أو نفذ تلك الجرائم من الإسرائيليين. وأعتقد أنه إذا ما تم ذلك، فإنه سوف يشكل أنجع السبل لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين، فضلاً عن أنه يشكل أفضل الوسائل الإعلامية لفضح إسرائيل وتعريف المواطنين في أوروبا بالحق الفلسطيني من ناحية، ومن ناحية أخرى، تعريف العالم بنوعية الأسلحة الإسرائيلية الأمريكية المحرمة دولياً التي تم استخدامها في غزة. وفي هذا المجال، نستذكر متابعة القضاء الإسباني في الوقت الحاضر لعدد من قادة الحرب الإسرائيليين بسبب اقترافهم الجريمة البشعة التي راح ضحيتها المرحوم صلاح شحادة أحد قادة المقاومة وعدد من أبناء غزة، في الغارة التي شنتها الطائرات الإسرائيلية عام 2002 على إحدى العمارات السكنية. ولا ندري، هل يصحو ضمير العالم الذي يوصف بالمتمدن، عندما يعلم بأن من أصدر الأمر للطائرات بالتدمير يعرف جيداً أن العمارة آهلة بمئات المدنيين الذين يسكنونها، لكن قتل هؤلاء المئات لم يكن يعني عنده شيئاً، ما دام أن من بين الضحايا سيكون القائد المقاوم صلاح شحادة.
وهنا لا بد من ذكر سابقة بلجيكا التي أحبطتها أمريكا في موضوع ملاحقة شارون بجرائم صبرا وشاتيلا. ذلك أنه تم رفع دعوى جزائية أمام القضاء البلجيكي ضد شارون الذي قارف مذابح صبرا وشاتيلا في لبنان ضد الفلسطينيين. ووفقاً للقانون البلجيكي، فقد كان قضاء بلجيكا يملك اختصاص النظر في مثل هذه الجرائم الدولية، كما يملك الصلاحية بإصدار قرار يطلب فيه من الدول الأخرى الموقعة على اتفاقيات جنيف وبروتوكولات جنيف إلقاء القبض على المتهم (شارون) وتسليمه للمحكمة، ما دام أمامها أدلة تبعث لديها قناعة أولية بارتكاب الجريمة. وهزت الدعوى إسرائيل، وأصاب الرعب شارون، حتى أنه لم يعد قادراً على المرور في دول الاتحاد الأوروبي خشية إلقاء القبض عليه. ولكن قبل أن يسير القضاء البلجيكي في الدعوى، تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية، عندما قام رامسفيلد وزير الخارجية الأمريكية بزيارة بلجيكا في 13 حزيران/يوليو 2003، وهددها بأنها إذا لم تقم بتعديل قانونها من أجل عدم ملاحقة شارون، فإن أمريكا سوف تعمل على سحب مقر حلف الناتو من بروكسل إلى  وارسو في بولندا، بما يستتبعه ذلك من آثار اقتصادية وسياسية على بلجيكا. وخافت بلجيكا، ولجأت إلى شقيقاتها من دول الاتحاد الأوروبي، علّها تساعدها على مواجهة الأمريكي الهائج، أو على الأقل ترويضه أو ترشيد سلوكه، لكن الشقيقات الأوروبيات أصابها الصمم. وركعت بلجيكا وجمعت سلطتها التشريعية وعدلت قانونها على النحو الذي أرادته أمريكا.
وقد يثور التساؤل عن إمكانية استخدام أمريكا لذات الضغط على الدول التي يمكن رفع الدعاوى أمامها، وإجابتنا على ذلك أنه مهما كانت ضغوط أمريكا، فلا بد أن تقاوم بعض الدول هذه الضغوط وتنجح الملاحقة، كما هو حال القضاء الإسباني في الوقت الحاضر. وهذا يكفي. ولكن حتى لو نجحت الضغوط الأمريكية، فليكن هذا، وذلك من أجل أن يطلع العالم على كيفية إلغاء أمريكا لدور القانون الدولي الذي عرفه العالم خلال القرن الأخير، وكيفية ممارسة أمريكا للضغوط على الدول وسلطاتها التشريعية الممثلة لشعوبها، باعتبار هذه الشعوب مصدراً لتلك السلطات. وعندها فإنه لا بد أن تتحرك شعوب أوروبا أو بعضها أمام هذا الوضع، في مواجهة حكوماتها، ليدخل العالم كله، شعوباً وحكومات، في مواجهة سياسية ذات مضمون قانوني مع أمريكا، لتقرير ما إذا كان لدساتير الدول وسيادتها، ذات الأهمية التي درّستها كليات الحقوق في العالم لطلاب القانون، وعمّدها فقهاء القانون في كافة أنحاء العالم، أم أن دور الدساتير ومبدأ سيادة الدول قد أنهته أمريكا عملياً وواقعياً، وأصبح على البشرية أن تدخل في مرحلة جديدة هي مرحلة ما بعد انتهاء قيمة القانون الدولي وانهيار الدساتير ومبدأ سيادة الدول، للدخول في عصر شريعة الغاب.
سادساً: الأسس القانونية للملاحقة الجزائية لإسرائيل وفقاً لاتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الملحقة:
أعتقد أن تمادي إسرائيل فيما قامت وتقوم به، من قتل وتدمير ومجازر، وتواطؤ المجتمع الدولي، بما فيه الأمم المتحدة، مع إسرائيل، قد ساهم فيه إلى حد كبير عدم مقاضاة إسرائيل وقيادتها وملاحقتها دولياً على ما