www.arabnc.org
   
الصفحة الرئيسة
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
المشاركون في الدورة ا
المشاركون في الدورة ا
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول المشاركين 30
جدول المشاركين 31
الأول 1990
الثاني 1991
الثالث 1992
الرابع 1993
الخامس 1994
السادس 1996
السابع 1997
الثامن 1998
التاسع 1999
العاشر 2000
الحادي عشر 2001
الثاني عشر 2002
الدورة الطارئة 2002
الرابع عشر 2003
الخامس عشر 2004
السادس عشر 2005
السابع عشر 2006
الثامن عشر 2007
التاسع عشر 2008
العشرون 2009
الواحد والعشرون 2010
الثاني والعشرون 2011
الثالث والعشرين 2012
الرابع والعشرون 2013
الخامس والعشرون 2014
السادس والعشرون 2015
السابع والعشرون 2016
الثامن والعشرون 2017
التاسع والعشرون 2018
الثلاثون 2019
الواحد والثلاثون 2022
القائمة البريدية
بحث
تصغير الخط تكبير الخط 
المؤتمر القومي العربي الخامس 1994 ((الخامس 1994))
بيروت 9-11 أيار/مايو 1994
لبنان
بيـان إلى الأمـة
يأتي انعقاد المؤتمر القومي العربي الخامس في عاصمة الألم والأمل العربي، بيروت، شهادة جديدة على أنه بمقدار ما يستعيد لبنان عافيته فإن الأمة تستعيد فيه منبراً متألقاً من منابر الحرية والحوار والوعي وميداناً رئيسياً من ميادين الكفاح والمقاومة ومقارعة الاحتلال ومشاريع الهيمنة والإلحاق التي تحاك للأمة ومستقبلها.
وإذا تصادّف مع انعقاد المؤتمر الاندلاع المؤلم لاقتتال عسكري يهدد استمراره بالتحوّل إلى حرب أهلية طاحنة في اليمن، فإن المؤتمر أصرّ على إعطاء الحدث اليمني المتفجر أهمية استثنائية، فخصص جلساته الأولى لمناقشة دلالاته وأبعاده وسبُل الخلاص من مأساته، حيث طالب أعضاؤه بالإجماع بضرورة الوقف الفوري لهذا الاقتتال ودعوا الأمة بكل قواها ومؤسساتها والشعب اليمني الأصيل بكل فئاته وجماعاته الحيّة إلى تحمل المسؤولية في إيقاف هذا الانهيار المريع الذي تتلاقى على تأجيجه عناصر داخلية تتصل بتغليب العقليات الضيقة والمصالح الصغيرة على المصلحة الوطنية العليا، وبالتخلف الفاضح في مستوى الوعي بأساليب إدارة الاختلاف وفق قواعد الحوار والديمقراطية واحترام الرأي الآخر والاحتكام إلى المؤسسات، ومع جهات خارجية هالها أن ترى اليمن موحداً وديمقراطياً وقوياً وقادراً على النهوض الاقتصادي والاجتماعي وعلى انتهاج سياسة وطنية وقومية متحررة من الوقوع في أسر القوى الدولية المهيمنة.
ولاحظ المؤتمر ان الحدث اليمني الأليم على ما يتضمنه من دلالات مرتبطة بالخصوصيات اليمنية إلاّ انه في العمق يختزن مؤشرات خطيرة تتصل باحتمال انتشار مثيله في أكثر من قطر عربي حيث الحروب الأهلية إما معلنة بالفعل أو كامنة تنتظر الظرف المناسب للانفجار، وهو أمر يكشف ان غياب لغة الحوار ونهج الاحتكام إلى المؤسسات الديمقراطية من جهة، وعدم احترام تنوّع الآراء والخصائص والروابط الاجتماعية داخل القطر الواحد من جهة أخرى، يشكّلان التربة الخصبة لتفشي هذا النمط من الحروب على الذات، كما يفسحان المجال للتدخل الأجنبي كي تبلغ تأثيراته حدوده القصوى.
 
 القضية الفلسطينية والصراع العربي – الصهيوني
كذلك تصادف موعد انعقاد المؤتمر القومي العربي مع توقيع اتفاقي باريس والقاهرة بين الكيان الصهيوني وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وقد جاءا في إطار استكمال اتفاق أوسلو – واشنطن والشروع في التنفيذ على قاعدة استرضاء حكومة الكيان الصهيوني.
وإذ أكّد المؤتمر على سلامة التوجه الذي أعلنه في البيان الصادر عن دورته السابقة، كما في البيانات الصادرة عن أمانته العامة بخصوص مؤتمر مدريد واتفاق أوسلو – واشنطن، سواء بصدد التحذير من المخاطر التي تنطوي عليها المسيرة الراهنة للمفاوضات بدءاً بمؤتمر مدريد، أو بشأن التمسّك بالحق الكامل للأمة وأجيالها المقبلة، والذي لا يستطيع فرد أو قيادة أو مجموعة أو حتى جيل بمفرده أن يتناول عنه، فإن المؤتمر قد لاحظ ان تعاظم الانتفاضة المجيدة لشعب فلسطين داخل الأرض المحتلة وبلوغ القمع الصهيوني لها أقسى أشكاله، كما تجلى في مجزرة الحرم الإبراهيمي، وتصاعد الاعتراض الذي صدر عن أوساط وهيئات وشخصيات فلسطينية بارزة داخل فلسطين المحتلة وخارجها، قد جاء ليؤكد ان خيار أوسلو لم يكن خيار الشعب الفلسطيني الذي ما زال متمسكاً بحقوقه الكاملة في أرضه وفي العودة وتقرير المصير. وهي الحقوق التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها حقوق وطنية غير قابلة للتصرف.
ولاحظ المؤتمر أيضاً ان حجم رد الفعل الشعبي العربي والإسلامي، لا سيّما في القطر العربي الأكبر في الأمة (مصر) على مجزرة الحرم الإبراهيمي، هو مؤشر واضح على سلامة الموقف القومي والإسلامي من مسار التسوية المطروح من أساسه.
كما لاحظ المؤتمر أيضاً أن معالم هذا المسار الخطير قد أخذت تتضح يوماً بعد يوم، خاصة في اتجاه دفع الفريق الفلسطيني المشارك في هذا المسار إلى أن يصبح ملحقاً بالفريق الإسرائيلي في مفاوضات مرتقبة مع أطراف عربية أخرى (حسبما جاء نصاً في اتفاق القاهرة)، أو صوب توسيع دائرة التمهيد والترويج لمشروعات نظام شرق أوسطي، يطمح الكيان الصهيوني إلى قيادتها وتوجيهها لمصلحته في الهيمنة الكاملة على مقدّرات المنطقة.
ويسجّل المؤتمر انه مع التوقيع على البروتوكول الاقتصادي بين إسرائيل والمنظمة، تكون إسرائيل قد خطت خطوة أخرى في إضفاء الشرعية على الهيمنة الاقتصادية التي تمارسها على الكيان الفلسطيني الوليد، وتشكيل مقوماته كجسر للعبور إلى الاقتصادات العربية المجاورة. كل ذلك إبّان المرحلة الانتقالية، وقبل انتقال أية سلطات جوهرية للحكم الذاتي الفلسطيني، من حيث السيادة على الأرض وعلى الموارد، ومن حيث المقومات الاقتصادية للحكم، وبخاصة حرية القرار، والمقدرة على إقامة الحدود الاقتصادية والجمركية بين فلسطين وإسرائيل. إن النتائج الخطيرة التي تنذر بها تلك التطورات تشمل ما يأتي
1 – إعطاء الضوء الأخضر من قبل القيادة الفلسطينية للتطبيع بين إسرائيل والعرب، مما يعني تخلّيها – بكل استخفاف – عن أقوى ورقة تفاوضية تملكها، ويرتبط بها ما تبقى من أمل في الحصول حتى على الحد الأدنى من الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني في استعادة سيادته على الأرض والموارد.
2 - إحكام الاندماج بين الاقتصادين الفلسطيني والإسرائيلي وجعل الكيان الفلسطيني ضاحية ملحقة بالمركز الصناعي الإسرائيلي.
3 – ترسيخ دعائم الاستقلال الاقتصادي لإسرائيل، وفتح المجال لهيمنتها على النظام الإقليمي للمنطقة.
 
إن تفادي تلك المخاطر الجسيمة إنما يتحقق بتأكيد الصفة القومية أساساً للصراع العربي – الصهيوني، واعتبار ان ما تنازلت عنه المنظمة من حقوق فلسطينية عربية انما هو تنازل إذعان، ولذلك فلا شرعية قومية له، ولا يبرر لأي طرف عربي التراخي في المقاطعة الاقتصادية وأشكال المجابهة الأخرى للعدوان الصهيوني المستمر في الأراضي العربية المحتلة. بل ان المطلوب بإلحاح من الأطراف العربية – أكثر من أي وقت مضى – هو تعويض الاختراق في الجدار الفلسطيني بتصميم مضاعف على المقاومة وزيادة التصلّب في الجدران العربية الأخرى.
وأكّد المؤتمر على أن الموقف المبدئي الحازم المبني على رفض هذه الاتفاقات، وأية اتفاقات مماثلة تفرّط بالحقوق العربية وتنتهك أبسط قواعد التضامن والتنسيق العربي، يفرض على القوى الحية في الأمة الاضطلاع بمهمات محددة على أكثر من صعيد
1 – الاستمرار في تعبئة الرأي العام الفلسطيني والعربي والإسلامي، لتوضيح مخاطر مشروعات النظام شرق الأوسطي على هوية المنطقة العربية والإسلامية كما على مصالحها الحيوية.
2 – السعي إلى تأسيس لجان فاعلة في كل قطر عربي وعلى جميع المستويات، لمقاومة التطبيع السياسي والثقافي والاقتصادي مع العدو الصهيوني، وإدانة كل المحاولات التي تجري هنا وهناك، على المستوى الرسمي أو على مستوى الأفراد، للتحلل من أنظمة المقاطعة العربية لإسرائيل.
3 – السعي إلى تأسيس مؤتمر جامع للمنظمات العربية غير الحكومية المهتمة بالقضية الفلسطينية، يدعى إلى رسم استراتيجية عمل شعبي على الصعيد القومي، ويكون أداة لخلق رأي عام شعبي مساند للنضال الوطني الفلسطيني وضاغط على الحكومات العربية.
4 – التمسك بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني التي أقرتها كل القرارات الدولية وبخاصة حق العودة وعروبة القدس التي يسعى اتفاق أوسلو – واشنطن – القاهرة إلى تمييعهما أو تجاهلهما، والسعي إلى تشكيل لجان شعبية فاعلة في كل قطر عربي وإسلامي لمتابعة هذين الأمرين وتعبئة الطاقات والقوى حولهما.
5 – التأكيد على أن الشعوب العربية، التي لا تشارك في اتخاذ القرارات المصيرية، ليست طرفاً، وبالتالي ليست ملزمة باتفاقات الإملاء والإذعان التي تعقدها حكومات عربية مع حكومة الكيان الصهيوني.
6 – التمسك بخيار الكفاح بمختلف الوسائل، ضد الاحتلال الإسرائيلي، وتوفير أقصى درجات المساندة الشعبية العربية للانتفاضة في فلسطين وللمقاومة في جنوب لبنان، مع التأكيد الدائم على الارتباط الوثيق بين مقاومة المحتل من جهة، وبين تعزيز الوحدة الوطنية داخل فلسطين ولبنان وكل قطر عربي من جهة أخرى. كما بينهما وبين إشاعة الحريات العامة واحترام حقوق الإنسان.
 
 
الأمن القومي
لقد تدارس المؤتمر الأمن القومي العربي ولاحظ ان أمن الأقطار العربية، منفردة ومجتمعة، هو في أدنى مستوياته، ربما منذ حصلت أقطارنا على استقلالها السياسي. فالأقطار العربية مستهدفة من أخطار دولية وإقليمية وداخلية، وهذه الأخطار ليست مجرد احتمالات أو تصورات، وانما هي تقوم في هذا الجزء أو ذاك من الوطن العربي الكبير. بل ان مقومات وجودنا القومي ذاتها تهددها هذه الأخطار في الصميم، إذ تستهدف وحدة الأراضي العربية وسلامتها، ووحدة الكيان القومي للأمة العربية، وسيادتنا القطرية والقومية على ثرواتنا وعلى قرارنا.
فإذا كان الوجود القومي للأمة العربية، ليس خياراً فكرياً نأخذ به أو نرفضه، بل هو انتماء قومي نعيش واقعه وضروراته حاضراً ومستقبلاً، فإن أمن الأمة العربية كل لا يتجزأ ووحدة الأمن القومي هي في الوقت ذاته، سبيل أمتنا، كما هي سبيل دولنا، إلى أمنها القطري.
ولكل ذلك يؤكد المؤتمر على الخطورة البالغة لتغييب الإرادة القومية، المنطلق الأساسي للأمن القومي العربي. فقد نتج عن هذا التغييب أخطر ظاهرة كشفت عن نفسها اثر انتهاء حرب الخليج، وتتمثل في إزالة "المرجعية القومية" لهذا الأمن. وهو ما أدّى إلى ان يصبح الأمن القطري منفلتاً من دائرة الأمن القومي وساعياً وراء الارتباط بمراكز أجنبية.
وإذ غابت أو غيبت "المرجعية القومية" في هذا الميدان الحيوي، وهو ميدان الأمن القومي العربي، فقد أدّى ذلك إلى انهيار كامل لأساس "الشرعية القومية" التي كانت تمثل قوة الدفع للعمل العربي المشترك، والتي كانت تمثل قيداً، واحداً، وأحياناً سدّاً، في مواجهة السياسات القطرية التي يمكن ان تشكل مساساً بقيم الأمة العربية أو مصالحها أو أمنها.
ولقد جاء الاتفاق الفلسطيني – الإسرائيلي بدوره لكي يضاعف من حدة الاختلال الاستراتيجي في المنطقة، وبصفة خاصة من الناحية العسكرية.
فلقد تفاقم الاختلال في موازين القوى في المنطقة لمصلحة إسرائيل، وبخاصة نتيجة تزايد الدعم الأمريكي لإسرائيل على جميع المستويات وتعزيز علاقات إسرائيل العسكرية بدول أخرى، فضلاً عن أن المشروعات المقدمة لضبط التسلح بالمنطقة تنحاز بشكل مطلق إلى إسرائيل، وتكرّس تفوقها على القوات العربية. بينما يفرض الحظر على تزويد بعض الدول العربية بالسلاح جنباً إلى جنب مع استمرار تفكيك الروابط الدفاعية العربية.
ويسجل المؤتمر ان القدرات الدفاعية العربية لم تتعزز رغم ارتفاع الإنفاق العسكري حيث سعت دول عربية إلى اكتساب الصداقات من خلال شراء الأسلحة بدلاً من دعم قواتها المسلحة. وان العقيدة القتالية في الدول العربية أصبحت مقتصرة على سد الثغرات وإيقاف الاختراقات بدلاً من تبني استراتيجية دفاعية أو هجومية متكاملة.
ويرى المؤتمر انه في ضوء الظروف بالغة الصعوبة التي يتعرض لها الأمن القومي العربي، ضرورة إجراء تنسيق دفاعي بين عناصر المقاومة الفلسطينية واللبنانية والقوات المسلحة في كل من لبنان وسوريا والأردن، ودعم قدراتها الدفاعية، ويدعو الدول العربية ذات الفائض في معدات الدفاع إلى المساهمة في ذلك.
ويثق المؤتمر في ان القوات المسلحة في الدول العربية، وخاصة في دول المواجهة، تعي أهمية وضرورة استمرار العمل على دعم قدراتها الدفاعية لتظل كما كانت سنداً للمقاومة الوطنية ضد كل صنوف الاحتلال.
ويؤكد المؤتمر على أهمية الشروع فوراً في تعزيز الصناعة العسكرية العربية بكافة الوسائل لا سيما رفع مستوى البحث والتطوير الوطني للعلوم والتكنولوجيا، والاستفادة من الأصول العربية الموجودة فعلاً في هذا المجال، مع محاولة الاستفادة من الكوادر الفنية في الدول التي كانت تمثل جزءاً من الاتحاد السوفياتي سابقاً. وفي سياق ما تقدم فإن رفع الحصار عن كل من العراق وليبيا ضروري لدعم القدرات الدفاعية العربية والأمن القومي العربي.
 
العلاقات العربية – العربية
ناقش المؤتمر العلاقات العربية – العربية ولاحظ انها تشهد انقسامات وتوترات حادة لم تشهدها من قبل بهذه بالكثافة، وتجري محاولات لمد هذه الانقسامات إلى المستويات الشعبية أيضاً.
فالنظام العربي في أسوأ حالاته، وهو في حالة قريبة من الشلل، بعد ان تعرّض في السنوات الأخيرة بشكل خاص، إلى امتحان كبير، بل محنة كبيرة لم يستطع الخروج منها حتى الآن. وقد فشل في هذا الامتحان والمحنة الأمن القومي العربي واتفاقية الدفاع المشترك بشكل خاص، ودفعت واندفعت الأنظمة العربية في مواجهة عسكرية مع بعضها البعض، ولم يستطع النظام العربي، حتى الآن، أن يوجد آلية قانونية وسلمية لحل النزاعات العربية – العربية، فضلاً عن عجزه عن تحقيق تنمية عربية شاملة، كما زادت تبعيته السياسية والاقتصادية الخارجية.
كذلك فإن نسق القيم في النظام العربي أصابه خلل شديد، وأصبحت بعض المسلمات والثوابت من تلك القيم محل تساؤل وانتهاك صارخ أحياناً. فلم يعد تحرير الأرض العربية في فلسطين المحتلة هدفاً أساسياً، بعد أن أصبح طلب المفاوضات المباشرة غير المشروطة مطلباً عربياً رسمياً للكثيرين، وازدادت التنازلات لإسرائيل والولايات المتحدة. ويجري ذلك كله باسم "الواقعية" ووسط حملة إعلامية مكثفة من "التطبيع النفسي" للتعامل مع العدو الصهيوني كادت تحوّل "السلام" إلى "استسلام". وللأسف فإن بعضاً من المثقفين العرب يساهم بشكل أو بآخر في حملة "التطبيع" مع العدو. كذلك فإن الاستقلال الوطني والقومي، الذي ناضل العرب طويلاً وضحوا بالكثير من أجله، لم يعد قيمة مقدّسة، إذ عمد بعض العرب إلى رد الاعتبار للاستعمار والدعوة إلى الوجود الأجنبي على أراضٍ عربية صراحة وعلانية. فلم تعد لدى الأنظمة العربية عموماً خطوط حمر قومية لا تستطيع تجاوزها، رغم ان تلك الأنظمة مفروضة على شعوبها بشكل أو بآخر.
وفضلاً عن هذه الأزمة الاستراتيجية العامة التي تلف الوطن العربي في مجمله، فإن الدول والشعوب العربية كلها واقعة تحت حصار دولي آثم، تحت ذرائع مختلفة، وبأشكال متباينة. فهناك حصار التبعية الاقتصادية والسياسية جنباً إلى جنب مع حصار الديون، الذي يشمل أغلبية الدول العربية، وهناك الحصار بدعوى التأديب، كما في حالتي العراق وليبيا، وهناك الحصار بدعوى مساندة الإرهاب، كما في حالات سوريا وليبيا والسودان، وهناك حصار الوجود العسكري الأجنبي المباشر كما في الخليج، فضلاً عن الحصار الذي يستغل التناقضات والتوترات الداخلية في بعض الأقطار العربية، التي بلغت حد الاقتتال، لتنفيذ مخطط تفتيت الأقطار العربية من الداخل وتفكيك الأطراف العربية من الخارج.
وإن المؤتمر إذ يعرب عن تعاطفه التام مع شعب العراق ومعاناته المؤلمة بسبب الحصار الجائز المفروض عليه، الذي لم يعد له – بكل المعايير الدولية والعربية – أي مبرر على الإطلاق؛ فإنه يطالب بما يلي
1 – رفع الحصار عن العراق بشكل كامل وكلي وبدون قيد أو شرط ودعوة جامعة الدول العربية وحكومات الأقطار العربية كافة، وبالذات التي اختلفت مع حكومة العراق لبذل الجهود عربياً ودولياً لوضع حد لهذا الحصار، وفتح الحدود العربية مع العراق وتزويد شعبه الصابر بكل الأدوية والأغذية التي يحتاجها، لحين رفع الحصار الشامل.
2 – من منطلق الحرص على العراق ووحدته الوطنية وتماسكه يدعو المؤتمر الحكومة العراقية إلى انتهاج سبُل المعالجة الوطنية والتحول الديمقراطي والانفتاح السياسي والفكري على جميع القوى الوطنية والديمقراطية والقومية في العراق، لأن ذلك يساعد شعب العراق على الصمود الوطني عبر مشاركته السياسية وحرياته الفكرية. كما يجدد المؤتمر دعوته لإنجاز الحل السلمي الديمقراطي للقضية الكردية بما يصون وحدة العراق وتمتع أكراده بحقوقهم القومية والديمقراطية المشروعة، ويقطع كل الطرق على التدخل الأجنبي الاستعماري في شؤون العراق الداخلية.
ومن المنطلق نفسه يدعو المؤتمر الحكومة العراقية إلى العمل على إيجاد حل نهائي لمسألة "الأسرى والمفقودين الكويتيين". كما يدعو الحكومتين الكويتية والعراقية إلى حل قضية الحدود بينهما بالطرق السلمية وفي إطار عربي، مما يساعد على تمهيد الطريق للمصالحة العربية الشاملة.
كما يشدد المؤتمر على أهمية الإسراع برفع الحصار عن الشعب الليبي لا سيّما وقد تخاطبت ليبيا مع النظام الدولي باللغة التي يدّعيها لنفسه وهي تسوية المنازعات بالطرق السلمية، وتقدّمت ليبيا بالفعل بعدة مبادرات سياسية جادة للتعامل مع انعكاسات "أزمة لوكيربي".
وفي الوقت ذاته يؤكّد المؤتمر ان تعاطفه العميق مع الشعب العربي في ليبيا في قضية الحصار لا يقلل من قلقه العميق فيما يخص المستوى المتدني لاحترام الحكومة الليبية لحقوق الإنسان في مختلف المجالات.
ولقد توقف المؤتمر طويلاً أما "حالة الصومال" التي تعتبر مثالاً صارخاً لمحاولات تفتيت الأقطار العربية وتمزيقها من الداخل. فقد تحول الوطن الواحد على نحو مفاجئ إلى ساحة للاقتتال المريع، والتدمير الذاتي، جنباً إلى جنب مع انفصال شمال الوطن عن جنوبه، بعد أن كان استكمال وحدة الصومال الكبير، باستعادة الأجزاء الأخرى المغتصبة من أراضيه، هدفاً وطنياً مقدساً لدى الصومال الموحّد. ولقد هيّأ كل ذلك الظروف المؤاتية للتدخل الأجنبي تحت القيادة الأمريكية التي جاءت تحت شعار "استعادة الأمل" فدمّرت كل عود أخضر للأمل في هذا القطر العربي الشقيق. وفي مواجهة كل ذلك لا بديل أمام الشعب الصومالي وكل قواه ومنظماته من السعي إلى فرض إرادته ضد دعاة الاقتتال والتدخل الأجنبي، لاستعادة وحدة الصومال وسلامته واستقراره. وفي الوقت نفسه فإن المسؤولية لها جانبها القومي المؤكد، ولذلك لا بد من أن تبادر إلى تحملها الجماهير والقوى والمنظمات العربية، كما على الحكومات العربية أن تقوم بدورها إزاء دولة عضو في جامعة الدول العربية، وتمد الصومال بما يحتاج إليه من مساعدات من أجل إعادة التعمير.
وإذ يؤكد المؤتمر على خطورة موجات العنف والعنف المضاد أجمالاً، وتصاعد حالات الإرهاب الأعمى في أكثر من بلد عربي، فإنه يؤكد أيضاً أنه لا سبيل للخروج من هذه المحنة الإضافية سوى سبيل الديمقراطية وإتاحة الفرصة المشروعة لكافة القوى الوطنية التي تلتقي على مبادئ التعددية وحرية الرأي والرأي الآخر وتداول السلطة، لكي تنتظم في حوار وطني من أجل استقرار البلاد وتدعيم أمنها، وبالتالي أمن أمتها.
وتوضح حالة الجزائر بالذات أهمية دعم مسار الحوار والمصالحة الوطنية الشاملة من أجل الخروج من الأزمة السياسية التي تدور رحاها داخلها، خاصة وان هذه الأزمة أصبحت باباً للتدخل الأجنبي والفرنسي بالذات في الشؤون الداخلية للبلاد الذي يزيد الأزمة اشتعالاً بدعمه للقوى المعادية لكل حوار ومصالحة، والمعادية في الوقت نفسه لعروبة الجزائر واستقرارها وتقدّمها.
ولا شك في أن الإشارة إلى جامعة الدول العربية تستدعي الحديث عن ضرورة تدعيم فعالية الجامعة. وهنا ينبغي التأكيد على أهمية تعديل ميثاق الجامعة الذي تمت صياغته منذ العام 1945 عندما كانت الجامعة تضم سبع دول فقط، باعتبار الوحدة العربية، وكل ما يؤدي إليها، الهدف الأساسي للجامعة بمجالسها ومنظماتها كافة، واعتماد مفهوم للأمن القومي العربي في مبناه وفي معناه، يرتبط بين الجوانب العسكرية والاقتصادية والسياسية والحضارية، وإنشاء محكمة عدل عربية، واعتماد نظام عربي متكامل للتسوية السلمية للمنازعات مبني على أساس إلزام الدول الأعضاء بعرض خلافاتها أولاً على الجامعة، وإقرار مبدأ المواطنة الاقتصادية القومية، وتقنين نظام مؤتمرات القمة العربية، وإقرار صلاحيات للأمين العام الجامعة لا تقل عن صلاحيات السكرتير العام للأمم المتحدة.
 
التطورات الاقتصادية والاجتماعية
ويلاحظ المؤتمر من متابعته التطورات الاقتصادية والاجتماعية في الوطن العربي، تحقيق بعض الإنجازات الاقتصادية في الصناعة والزراعة، فضلاً عن تطوير قطاعات الخدمات والمعلومات في بعض الأقطار والتقدم إلى مشروعات ثنائية مشتركة، واستكمال حثيث لبعض جوانب البنية الأساسية، والاهتمام بالبيئة وتوسيع حركة عناصر الإنتاج عبر المنطقة العربية، إلى جانب تحسن في الموازنات الحكومية في عدد من الأقطار. إلاً ان الاتجاه العام لهذه التطورات كان سلبياً، إذ اتصف (الاتجاه) بازدياد حدة البطالة والفقر وتعميق التفاوت في الثروات والدخول، وتفاقم التضخم والفساد، والانخفاض في القوة الشرائية لأسعار النفط، وازدياد حدة الاستهلاك الاستفزازي، وانتشار ظاهرة استيراد أنماط من "الثقافة" الأجنبية الفجة. ولقد ساهم مجمل هذه التطورات، وبدرجات متفاوتة، في اتساع ظاهرة العنف والعنف المضاد في بعض الأقطار العربية.
ولقد لاحظ المؤتمر ان الأقطار العربية كانت من أكثر البلدان النامية تأثراً بالأزمة الاقتصادية العالمية التي وصلت ذروتها في العام الماضي. وبدت هشاشة الاقتصادات العربية وأسلوب إدارتها في تفاقم أزمات الديون والبطالة والمياه وتراجع معدلات التبادل البيني للتجارة وكذلك معدلات النمو والاستثمارات ارتباطاً بأسعار النفط. هذا فضلاً عن غياب التنسيق العربي في الأوبك، وفي مواجهة تطورات مثل اعلان مبادئ غزة – أريحا واتفاقية الغات وآثارها، وغياب التكاتف أمام توجهات مالية وبيئية عالمية أو لمواجهة أوضاع مأساوية إنسانية في بعض الأقطار العربية. وكانت أكثر الأمور وضوحاً التخلي عن وضع خطط تنموية للمواجهة، وعدم الاستثمار في رهانات على المستقبل في نظم التعليم والتدريب وطاقات البحث العلمي والتطوير التقني وزرع تقانات حديثة عالية والاهتمام بالمعلومات كمدخل في العمل الإنتاجي. وارتبط كل ما سبق بأوضاع اجتماعية وتوزيعية وقيمية ومشاركة جماهيرية تزداد تدهوراً، مهددة الاستقرار المجتمعي والقدرة على مقاومة المخططات الخارجية لإلحاق الاقتصادات العربية بالمراكز الرأسمالية بما يهدر العديد من الفرص أمام خلق تجمعات أكبر وأكثر صلابة في طريق تنمية مطردة ومستقلة.
وعلى الرغم من تعدد المشكلات وتشابكها، إلاّ انه ما زالت أمامنا منافذ للحد من تأثيراتها السلبية من خلال التنسيق والتكامل العربي، ومن خلال تعديل سياساتنا لتأخذ الأبعاد الاجتماعية ومشكلات تدنّي مستوى معيشة عديد من المواطنين العرب مكانها المحوري. وهنا يشدد المؤتمر على ضرورة استعادة رؤوس الأموال وعوائد النفط المتراكمة في الغرب، إلى المنطقة العربية لتقوم بدورها في خطة للتنمية القومية.
ان المؤتمر يرى ان الرهان التنموي المستقبلي يتطلب مراجعة علمية غير متحيزة لعلاقة الدولة بالمواطن ومسؤوليتها عن خلق ظروف الاستقرار والابداع والتنسيق العربي الفعّال. كما يرى الدور الإيجابي الذي يمكن ان يلعبه تفادي العنف السياسي المهدر للطاقات القائمة، والذي يمكن أن يلعبه القطاع الخاص والثقافة والإعلام في ذلك، كما يتطلب وضعاً خاصاً تحميه وتشرف عليه الدولة في صناعة السلاح ودعم الصناعات الحديثة عالية التقنية وتحديث نظم التعليم والتدريب، فضلاً عن تهيئة استراتيجيات قطرية متسقة وإقليمية عربية لتحقيق هذا الغرض.
وفي هذا المجال يستذكر المؤتمر موقفه حول المبالغة في الإلحاح على الدعوة إلى التخصيصية الذي أعلنه في دورته الرابعة حيث ذكر "أن هذه الدعوة التي تسود في العديد من البلدان العربية (والتي تم الشروع في تنفيذها بالفعل) لا تتعلق كثيراً باعتبار "الكفاءة الاقتصادية" و"الربحية"، بل هي تمثل في هذا التوقيت بالذات ضرورة سياسية وايديولوجية لإضعاف الدور الوطني للدولة في عملية التوجيه الاقتصادي لعمليات التنمية والقرارات الاستثمارية الرئيسية وتسهيل عملية استيلاء الشركات الدولية على فروع النشاط الاقتصادي الرئيسية وبالتالي تسهيل عملية إعادة هيكلة الاقتصادات الوطنية، وذلك في إطار مشروع النظام شرق الأوسطي الاقتصادي الجديد".
كما يؤكد المؤتمر أن سياسات تصحيح البنية الاقتصادية التي تدعو إليها المراكز الرأسمالية وتعمل على تنفيذها أساساً عبر المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي تهدف إلى تعميق الاندماج في الاقتصاد الرأسمالي العالمي. لذلك يدعو المؤتمر إلى تبني استراتيجية للتصحيح البنيوي تهدف إلى إشباع الحاجات الأساسية للناس وحل مشكلتي الفقر والبطالة وتسهيل التكامل الاقتصادي العربي وتحقيق درجة عالية من التنمية المستقلة، وذلك عبر سياسات تهدف إلى إعطاء القطاع العام والتخطيط دوراً أساسياً في عملية التنمية، وتتطلع حسب الإمكان إلى تنمية الصناعات المنتجة لوسائل ومستلزمات الإنتاج، وترنو إلى تحقيق درجة معتبرة من العدالة في التوزيع، وتروم تقليل الفجوة بين كلٍ من الإدخارات والاستثمارات الوطنية، وتسعى إلى الحيلولة دون نزوح رؤوس الأموال للخارج؛ مع كل ما يؤدي إليه ذلك من التخفيض من حدة التبعية للخارج وإنهاء تبعية قرارنا السياسي والاقتصادي للمراكز الامبريالية.
 
الديمقراطية وحقوق الإنسان
وفي استعراضه لأوضاع الديمقراطية وحقوق الإنسان في الوطن العربي خلال العام الأخير، سجل المؤتمر ركود هذه الأوضاع بل وترديها المتزايد مما يبعث على المزيد من القلق تجاه مصير الحقوق والحريات العامة، وتجاه الاستقرار السياسي في معظم الأقطار العربية. فعلى الرغم من إجراء الانتخابات المحلية والنيابية والرئاسية في بعض الأقطار العربية، إلاّ أن حاصل هذه التجربة كان فادحاً أو مخيباً للآمال أو مشوباً بالتردد، ولم يكن ليرقى إلى مستوى الاستجابة إلى مطالب التطور الاجتماعي والسياسي في هذه الأقطار. فيما ظلت ساحات سياسية عربية أخرى مقفلة أمام أي لون من ألوان الانفتاح السياسي، الأمر الذي نجم عنه تراكم متزايد لمعاناة المجتمع من تفاقم نزعة التسلط، وميل بعض فصائل المعارضة السياسية إلى العنف بما يهدد بزعزعة التوازن والاستقرار والإطاحة بوحدة الكيانات العربية.
لقد اتسع نطاق الانتهاكات لحقوق الإنسان في الوطن العربي ليشمل إلى جانب مصادرة حقوق المواطنين في الانتخاب والترشيح وتشكيل الأحزاب السياسية والنقابات المهنية، اتسع ذلك النطاق ليشمل الاعتداء الجسدي المادي على المواطنين بالاعتقال دون محاكمة لمدد طويلة، والاعدامات بعد محاكمات صورية، وحرمان المعتقل، والموقوف السياسي من حق الدفاع عن النفس أمام المحاكم الشكلية التي تعد باسم قوانين الطوارئ وأمن الدولة أو المحاكم العسكرية. كما امتد هذا الانتهاك لحقوق الإنسان إلى حق المواطن في العودة إلى وطنه واحتجازه ومنعه من السفر في حالات أخرى.
ولقد دفع المجتمع العربي، بسبب تضخم النزعة التسلطية لدى الدولة، وميلها إلى مزيد من القمع، ثمناً فادحاً من حرياته العامة والفردية إذ ارتفع معدل إهدار هذه الحريات بمناسبة الصراع الطاحن بين قوى القمع وقوى المعارضة المسلحة، حيث سقط الآلاف من القتلى من الطرفين في أكثر من قطر عربي، وارتفعت أعداد ضحايا القمع من سجناء الرأي في البلدان العربية، وزاد التضييق على حريات الصحافة وتشكيل الأحزاب والجمعيات، وبات انعدام الضمانات القانونية لضحايا القمع قانوناً رسمياً في سلوك الدولة تجاه المجتمع.
والمؤتمر إذ يعبّر عن مساندته المطلقة لضحايا القمع في الوطن العربي، وإذ ينبّه إلى خطورة التمادي في إطلاق آلة القمع، وإذ يناشد كل القوى الحية في الأمة للوقوف بحزم في وجه هذا التسلط الوحشي المنفلت من كل عقال، يطالب بوقف هذه الحرب الشرسة ضد الحريات العامة وحقوق الإنسان في الوطن العربي، وباحترام المواثيق والعهود الدولية التي وقعت عليها بعض الدول العربية، والتي تكفل تلك الحقوق والحريات. كما يطالب بتمكين الشعوب العربية من حقها في إدارة الشؤون العامة، بما في ذلك إقرار مبدأ المشاركة السياسية، والاقتراع النزيه، والتداول السلمي للسلطة وتنظيم معارضة يكفل القانون حقها في الوجود والتعبير عن رأيها بالوسائل الديمقراطية. كما يطالب المؤتمر بإطلاق سراح المساجين السياسيين العرب في السجون العربية، ويطالب المؤتمر أيضاً بتطوير أوضاع حركة حقوق الإنسان في الوطن العربي والنهوض بها، وتعميم مؤسساتها في الأقطار التي لم تتأسس فيها أطرها التنظيمية بعد، وبتطوير التنسيق بينها وبين المنظمة الدولية الحقوقية ذات المصداقية.
لقد توقف المؤتمر طويلاً أمام حالات فردية بعينها، لأنها تعبّر في جوهرها عن حالة عامة في أكثر من بلد عربي، بشأن العلاقة بين السلطة والمثقفين قادة الرأي، ويخص بالذكر منهم ثلاث حالات الأستاذ منصور الكيخيا الذي اختفى من مصر في ظروف غامضة وما يزال مصيره مجهولاً حتى الآن والذي أصدرت الأمانة العامة للمؤتمر بياناً حوله، والدكتور علي خليفة الكواري من قطر الذي سحب منه جواز سفره ومنع من مغادرة بلاده لأكثر من عامين حتى الآن والذي طالبت الأمانة العامة السلطات القطرية أكثر من مرة بإعادة جوازه إليه، والدكتور منصف المرزوقي الذي كانت كل جريرته في عرف السلطة التونسية انه تصور إمكانية مباشرة حق من حقوق المواطنة في بلد يدّعي التعددية ويرشح نفسه لانتخابات الرئاسة، رغم ان نتيجتها كانت معروفة سلفاً. إن هذه الحالات تؤكد ان سجل الحكومات العربية في مجال حقوق الإنسان يزداد سوءاً، وانها بذلك تؤدي بشكل مباشر إلى تعميق الأزمة السياسية في بلادها، وتفتح الباب واسعاً لزعزعة الاستقرار وتهديد الأمن الذي تتصور انها تحميه أو حتى تحمي نفسها. ويؤكد المؤتمر مطالبته السابقة للسلطات المصرية بإعلان كافة التفصيلات المرتبطة باختفائه وبالتحقيقات المرتبطة بهذا الموضوع. كما يؤكّد مطالبته السلطات القطرية بإعادة جواز سفر الدكتور علي خلفة الكواري. كما يطلب من السلطات التونسية الإفراج عن الدكتور منصف المرزوقي.
 
العرب والعالم
استعرض المؤتمر التطورات التي تشهدها الساحة الدولية والتحولات الجارية الآن على مستوى النظام السياسي الدولي، والنظام الاقتصادي الدولي. وقد لاحظ المؤتمر مدى التدهور السياسي وعدم الاستقرار في عدد متزايد من دول العالم، وخصوصاً الدول النامية. ويحذّر المؤتمر من عواقب إهمال هذه الظواهر، إذ تحمل خطر امتداد آثارها وتأثيراتها إلى المنطقة العربية.
ونظراً إلى ما ينطوي عليه الوضع العالمي من توجهات وسياسات جديدة، يندد المؤتمر بالضغوط المتزايدة عدداً وثقلاً التي تمارسها بعض الدول الكبرى، وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية، على الأقطار العربية لتغيير سياساتها الداخلية والإقليمية. وينبّه المؤتمر إلى خطورة الانصياع لهذه الضغوط، حيث انها تتناقض تناقضاً جذرياً مع مصالح الشعوب العربية وهويتها وقيمها ومجمل مستقبل الأمة، ولأنها تراعي في الأساس مصالح أطراف وقوى غير عربية بل ومعادية لحرية الأمة العربية وتقدّمها ومستقبلها الوحدوي. وإذا تحقق التغيير نتيجة هذا النوع من الضغوط، فالنتيجة الحتمية مزيد من عدم الاستقرار السياسي، ومزيد من التشوهات الاجتماعية والاقتصادية، وتعريض الأمن القطري والقومي لأخطار جسيمة. إن الواقعية السياسية – بمعناها المنضبط – تفرض على كل القوى السياسية في الوطن العربي ضرورة التمييز بين عواقب يمكن تداركها وعلاجها، إذا رفضت الأقطار العربية الانصياع لهذه الضغوط، وبين عواقب لا يمكن تداركها أو علاجها إذا هي استجابت للضغوط ورضخت للتغيير الذي يخدم أطرافاً وقوى غير عربية على حساب المصالح القطرية والقومية العربية.
من هنا يدعو المؤتمر القوى السياسية في الوطن العربي إلى تغليب الموضوعية والواقعية جنباً إلى جنب مع الصلابة عند التعامل مع القوى الكبرى، ومع الولايات المتحدة بشكل خاص. إذ يؤكّد الواقع فشل القوى الغربية في التعامل الإيجابي مع كل بؤر الصراعات الدولية الراهنة بما يخدم قضية الأمن والسلم الدوليين. هذا الفشل يعبّر عن حال عجز متزايد، ولكنه يعبّر في الوقت نفسه عن الخطورة الناجمة عن إحساس بعض القوى السياسية العربية بالضعف إزاء ما تتصوره قدرة فائقة للولايات المتحدة على قيادة العالم وحل مشكلاته وتسوية صراعاته. ان الاستعجال في اتخاذ قرارات مصيرية بسبب هذا الإحساس سيعود بالضرر الوخيم على هذه الأمة بل وعلى هذه القوى السياسية ذاتها.
كذلك يلاحظ المؤتمر ان الفوضى الدولية الراهنة تنذر بالتفاقم والاتساع. ويواكب ذلك احتمال كبير لبروز قوى إقليمية مهيمنة تتولى مهمة تنظيم عمليات الأمن الإقليمي في المرحلة القادمة. فدول أفريقيا الجنوبية مرشّحة لأن تستقطب مع دولة جنوب أفريقيا بعد ان زالت المقاطعة عنها. كما تتعرّض الدول العربية لضغط للدخول في تجمع يتمحور حول إسرائيل.
وفي إطار الضغوط التي تبذلها القوى الكبرى لإحداث تحولات داخلية سياسية واقتصادية في الدول النامية اجمالاً، ينبّه المؤتمر إلى خطورة التطورات القادمة بشأن النواحي الاجتماعية. فبعد ان تم تغليب الأحادية في أساس النظام السياسي تحت عنوان الديمقراطية، وفي أساس النظام الاقتصادي بدعوى تغليب قوى السوق والليبرالية الاقتصادية، يجري الآن سعي إلى توحيد الأساس الاجتماعي. وأول بادرة لذلك مؤتمر قمة التنمية الاجتماعية الذي تنظمه هيئة الأمم المتحدة، في العام القادم بمناسبة مرور خمسين عاماً على انشائها. والأخطر من ذلك ان تختزل النواحي الاجتماعية لعدد من القضايا مثل الفقر والبطالة والفئات المهمشة فيما يطلق عليه الاندماج الاجتماعي. وتمضي المحاولة في النهج الذي ساد النشاط الدولي في المجال الاجتماعي وهو التركيز على فئات بعينها (كالأطفال أو المرأة أو الأقليات) وإهمال جوهر التنمية وهو الهيكل الاجتماعي المحقق للديمقراطية والتنمية المستقلة، ولذلك فإن المؤتمر يلفت الانتباه إلى خطورة ما يمكن ان يوقّع عليه الملوك والرؤساء العرب كإعلان عالمي. كما يؤكد على ضرورة دعوة المنظمات والمراكز المعنية لصياغة إعلان عربي للتنمية الاجتماعية يؤكد الهوية الحضارية الثقافية للأمة العربية.
ويؤكد المؤتمر على أهمية إصلاح الأمم المتحدة وإعادة هيكلة مؤسساتها على نحو يضمن فعاليتها وترشيد قراراتها وديمقراطيتها. كما يود المؤتمر أن يلفت نظر الدول العربية إلى أهمية تنسيق مواقفها بالنسبة إلى هذه القضية، وخاصة ما يتعلّق منها بتوسيع نطاق العضوية في مجلس الأمن كي تتمكن المجموعة العربية من ضمان تمثيل دائم لها في هذا المجلس.
وفي إطار النظر إلى العرب في دائرتهم الحضارية الأوسع، رصد المؤتمر الاستقرار النسبي لعلاقات الدول العربية مع كل من إيران وتركيا. على الرغم من استمرار مشكلات المياه والمضايق والمعارضة السياسية والجزر العربية المحتلة، فقد تبلورت بعض مظاهر التعاون الثقافي والاقتصادي والعسكري بين عدد من الدول العربية وتركيا وإيران وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة.
ولذلك يؤكد المؤتمر على ضرورة تطوير الجوانب الايجابية مع هذه الدائرة الحضارية التي تمثل في الوقت نفسه عمقاً استراتيجياً للأمة العربية، بما يضمن المصالح المشتركة للطرفين، ويصون الروابط الروحية والحضارية العميقة التي تربط بينهما. وبهذا التوجه يمكن التوصل إلى تسوية للمشكلات القائمة مع إيران أو تركيا، وفي الوقت نفسه تفويت الفرصة على المحاولات الغربية الرامية إلى إشاعة التوتر بين العرب ودائرتهم الحضارية، بغية إحكام السيطرة على موارد المنطقة كلها وقرارها ومستقبلها. كذلك فإن توثيق هذه العلاقات قد يساعد في ظروف معينة، ووفق شروط محدودة، على مواجهة مشروع النظام شرق الأوسطي.
كذلك فقد استعرض المؤتمر بإمعان واقع العلاقات العربية – الافريقية، وتوقف طويلاً أمام العوامل التي تعوق تطورها، رغم ان التعاون في تلك الدائرة لا بديل منه لمواجهة سياسات الهيمنة الغربية، والنتائج المترتبة على اختلال التوازن الدولي الراهن وفي مقدمتها تقلّص هامش المناورة المستقلة أمام الدول العربية والأفريقية بعد تفكك الاتحاد السوفياتي – من ناحية، وتدهور مكانة الدول العربية في النظام العالمي الراهن وتراجع أهمية قضاياها نظراً إلى تزايد اعتمادها على الغرب – من ناحية ثانية، وتراجع أهمية افريقيا بعد تراجع الصراع الايديولوجي وتضاؤل الاستثمارات المتجهة إليها بما يؤدي إلى تعميق ثنائية "الفقر والغنى" على مستوى الدول وعلى مستوى العالم – من ناحية ثالثة.
وفي السياق نفسه، يلفت المؤتمر الانتباه إلى ضرورة الاهتمام بمنطقة غرب وشرق أفريقيا اللتين تمثلان امتداداً طبيعياً وحضارياً واستراتيجياً للوطن العربي، فضلاً عن ارتباط تاريخها، بانتشار القيم الثقافية والدينية العربية والإسلامية، كما انها ظلت دوماً سنداً ونصيراً للقضية الفلسطينية. ويعبّر المؤتمر عن قلقه حيال ما تتعرض له الجاليات والأقليات العربية الموجودة بكثافة في غرب أفريقيا بصفة خاصة، من اضطهاد في حقبة تتميز بعدم الاستقرار السياسي، والإفلاس الاقتصادي، والاختراق الأجنبي.
 
* * *
ان المؤتمر القومي العربي كمؤسسة شعبية مستقلة على الصعيد القومي إذ يتطلع في استراتيجيته إلى مشروع شامل للنهوض القومي، فإنه يطالب ويدعو إلى توحيد القوى، والمواقف، وتحقيق كل ما من شأنه حشد قوى وطاقات الأمة، وإيجاد صيغ التكامل والتعاون والتفاعل والانفتاح بين الأقطار العربية.
إن الرد على التحديات القائمة والمشاريع الاستعمارية الجديدة يدعو إلى ضرورة الارتفاع إلى مستوى المسؤولية القومية دفاعاً عن مصالح الأمة ومستقبلها المهدد بالاختراق، كما يدعو إلى تحقيق خطوات اتحاد وتوحيد بين الأقطار المهددة بالمخاطر والاختراق المباشر، وإلى التجمع والتوحيد في كل المواقع والمستويات. وإذا كانت الديمقراطية هي القاعدة والمنطلق الذي لا بد منه ولا بديل عنه لحشد وتوحيد الطاقات الوطنية، وللنهوض بالمجتمع وبإرادته وتحصينه في مواجهة الاختراق والتطبيع، فإن فتح الحدود وتحقيق التعاون والتكامل بين الأقطار العربية هو الذي يضمن التفاعل السياسي والاقتصادي ويعيد روح التعاون والتضامن على المستوى القومي.
 
المشاركون في المؤتمر القومي العربي الخامس