www.arabnc.org
   
الصفحة الرئيسة
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
المشاركون في الدورة ا
المشاركون في الدورة ا
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول المشاركين 30
جدول المشاركين 31
الأول 1990
الثاني 1991
الثالث 1992
الرابع 1993
الخامس 1994
السادس 1996
السابع 1997
الثامن 1998
التاسع 1999
العاشر 2000
الحادي عشر 2001
الثاني عشر 2002
الدورة الطارئة 2002
الرابع عشر 2003
الخامس عشر 2004
السادس عشر 2005
السابع عشر 2006
الثامن عشر 2007
التاسع عشر 2008
العشرون 2009
الواحد والعشرون 2010
الثاني والعشرون 2011
الثالث والعشرين 2012
الرابع والعشرون 2013
الخامس والعشرون 2014
السادس والعشرون 2015
السابع والعشرون 2016
الثامن والعشرون 2017
التاسع والعشرون 2018
الثلاثون 2019
الواحد والثلاثون 2022
القائمة البريدية
بحث
تصغير الخط تكبير الخط 
المشهد السياسي 27 ((المشهد السياسي 27))
المؤتمر القومي العربي
ARAB NATIONAL CONFERENCE
   المؤتمر السابع والعشرون
19 – 20 نيسان/أبريل 2016
     الحمامات - تونس
التوزيع: محدود
الرقم: م ق ع 26/وثائق 8

منطق الصراعات في المشهد السياسي العربي الراهن **
د. زياد حافظ *
ـــــــــــــــــــــــــــــ
* الأمين العام للمؤتمر القومي العربي

منطق الصراعات في المشهد السياسي العربي الراهن

د. زياد حافظ
ألامين العام للمؤتمر القومي العربي

مقدمة
خلال اجتماع الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي في بيروت في تشرين الأول من العام الماضي قدّمنا قراءة عن المشهد الدولي والإقليمي والعربي حاولنا من خلالها إبراز تقدير موقف لموازين القوة التي تتحكّم بمسار الأمور في الوطن العربي والمتأثرة بنسب متفاوتة بالتحوّلات الدولية والإقليمية. ونعتقد أن ما أتينا به في تلك الورقة ما زال صالحا في معظمه وبالتالي تصبح ورقة مساندة لمقاربتنا اليوم.
المنطقة العربية من مشرقها إلى مغربها مرورا بالجزيرة العربية مسرح لصراعات مختلفة منها طابعها دولي، ومنها طابعها إقليمي، ومنها طابعها عربي، وكثير منها مريج من الداخلي والإقليمي والدولي. وهذه الصراعات معظمها مزمن في الجوهر وإن تغيّرت إلى حد كبير أدوار اللاعبين الدوليين والإقليميين والعرب منهم من منتصف العقد الماضي (أي بعد حرب تموز على لبنان عام 2006) حتى اللحظة الراهنة.
التغييرات في الصراعات الراهنة تعكس تغييرات في موازين القوة على الصعيد الدولي والإقليمي والعربي. التغييرات في موازين القوة تعكس بدورها تغييرات جوهرية في البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والسكّانية والثقافية عرضناها في ورقتنا السابقة ونكتفي بالإشارة إليها فقط. هذه التغييرات في موازين القوة على المستويات الثلاثة، أي الدولية والإقليمية والعربية، أتاحت الفرصة للاعبين إقليميين وعرب من توسيع رقعة تحرّكهم ورفع سقف ذلك التحرّك وفقا لتقديراتهم في تراجع فعّالية القوى الدولية الأساسية والتي كانت تتحكّم بمسار الأمور وإيقاعها. من هنا يمكن فهم بعض مسارات الصراعات القائمة في المنطقة العربية التي يعتبرها البعض بشكل آلي نتيجة لتصّور أميركي صهيوني ينفّذه لاعبون عرب. وإذا كنا لا ننكر دور الولايات المتحدة والكيان الصهيوني في تأجيج صراعات قديمة وخلق صراعات جديدة إلا أن الفكرة الأساسية التي نطرحها في هذه الورقة والتي نعرضها للنقاش، وهي غير منزلة أو منحوتة في الصخر، هي أن القسط الأكبر من الصراعات العربية العربية هو من صنع عربي وأن مستقبل هذه الصراعات يتوقف على اللاعبين العرب في المرتبة الأولى آخذين بعين الاعتبار عامل جديد دخل على المشهد هو ما يمكن تسميته بالتنسيق الروسي الأميركي. فهناك سلسلة من أحداث ومواقف وقرارات ترجمت ميدانيا في عدد من ساحات الصراعات القائمة كسورية واليمن وليبيا والعراق تدلّ على أن التنسيق الروسي الأميركي هدفه في الحد الأدنى ضبط إيقاع حركة الأحداث وفي الحد الأقصى تفاهم أشمل. لكننا لسنا متأكدين حول مدى صمود هذا التنسيق وعلى مدى فعّاليته على المدى المتوسط والطويل على سلوك اللاعبين العرب في المشهد السياسي.
لذلك فإن هذه الورقة ستتناول حركة الصراعات القائمة التي منها دولية في الساحات العربية ومنها عربية إقليمية ومنها إقليمية إقليمية ومهنا عربية عربية. لكن المفتاح الرئيسي لمعظم هذه الصراعات كي لا نقول جميعها هو القضية الفلسطينية التي كانت وما زالت وستستمر إلى يوم الحسم أو النصر النهائي في استرجاع فلسطين، ونعنى هنا كامل فلسطين، وحقوق الشعب الفلسطيني في العودة والاستقرار والتعويض المادي والمعنوي لما تحمّله هذا الشعب من وزر الاحتلال والتشرّد. فلا الحرب على العراق واحتلاله وتدمير بنيته السياسية والاقتصادية والاجتماعية وذاكرته العلمية والثقافية والتاريخية، ولا تدمير ليبيا وتمزيقها، ولا العدوان الكوني على سورية، ولا العدوان العربي غير المبرّر على اليمن، ولا حتى استمرار الأزمة في لبنان، ولا حتى نشأة وتشجيع حركات الغلو والتوحّش، ولا استمرار الحصار على غزة والتنسيق الأمني بين السلطة والكيان تبرّرها الأسباب التي تروّجها وسائل الاعلام الغربية والعربية المملوكة من دول النفط إلاّ والقضية الفلسطينية هي الحاضرة والسبب الحقيقي المباشر وغير المباشر لمختلف ألوان العدوان. لا ننفي وجود أسباب أخرى خاصة بكل قطر لكن السبب الرئيسي في رأينا هو الصراع العربي الصهيوني يلييه العمل على إجهاض أي حراك نهضوي وحدوي. هكذا كان التدخّل الدولي والإقليمي في السابق، وهكذا هو تدخله اليوم. كما أن محاولات استبدال العداء للجمهورية الإسلامية في إيران بالعداء للكيان الصهيوني هو الوجه الحقيقي لمسار الصراعات في المنطقة العربية.
الجزء الأول. الصراعات الدولية في الوطن العربي
التدخلات الخارجية في الوطن العربي ناتجة عن الصراعات الدولية. ويمكن اختزال الصراعات الدولية بالصراع بين روسيا والولايات المتحدة نيابة عن صراع بين محور الدول الصاعدة المتمثلة بمجموعة دول البريكس والتي قد تنضم إليها في وقت لاحق الجمهورية الإسلامية في إيران وبين المحور الغربي الأطلسي بما فيه الاتحاد الأوروبي وطبعا الكيان الصهيوني. وللمزيد عن الموضوع يمكن مراجعة ورقتنا السابقة. 
الصراع بين روسيا والولايات المتحدة ليس جديدا بل متجدّدا بعد حقبة تفكّك الاتحاد السوفيتي. كما أن هذا الصراع لن يفضي بالضرورة إلى توافق أو تسويات مشابهة لتسوية يالطا. فالتسوية الأخيرة كانت بين حلفاء منتصرين على عدو مشترك أي النازية بينما سمة العلاقة الحالية هي سمة التنافس بين قوة صاعدة وقوة متراجعة وإن كانت الأخيرة في حالة إنكار ومكابرة. فالتسوية قد تكبح وتيرة الصعود لما يرافقها من إما تنازلات أو تأخير لأولويات كما أنها عند الطرف الثاني قد تكبح فرصة إعادة تحسين الظروف وإلغاء التراجع. فإلى حد ما نستطيع أن نقول إن كل من روسيا والولايات المتحدة تسعى فقط للوصول إلى تفاهمات تضبط إيقاع مسار الصراع وليس بالضرورة لتوزيع مناطق النفوذ بينهما. ففيما يتعلّق ب"التفهامات" التي يمكن أن تكون قد تمّت بين روسيا والولايات المتحدة لا بد من الانتباه إلى النقاط التالية:
أولا-إن أي "تفاهم" لا يعني نهاية الصراع بل فعليا متابعته بوتائر مختلفة وبوسائل متعدّدة كمحاولات الالتفاف على مقرّرات جنيف أو فينا أو نيويورك. فما شهدناه من قرارات صادرة عن جامعة الدول العربية من توصيف المقاومة إرهابا تشكّل تمهيدا لضرب المقاومة في سورية على قاعدة أن التسوية التي يروّج لها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا تتضمّن بندا بمحاربة الإرهاب!  قد يكون ذلك النزع للغطاء العربي عن المقاومة تمهيدا لعداون صهيوني على لبنان ومقاومته سواء في لبنان أو في سورية، هذا إذا ما كان الكيان الصهيوني واثقا من نجاح سريع وحاسم. فالحرب المرتقبة هي الوجه الآخر للصراع بين المحورين عبر الأدوات الإقليمية والعربية.
ثانيا-للولايات المتحدة تاريخ حافل بنقض الاتفاقات التي تعقدها على قاعدة أن "إستثنائيتها" تعفيها من المسائلة والمحاسبة. كما أنها تعتبر أن العقد الذي يشكّل شريعة المتعاقدين يعكس موازين قوة في لحظة معّينة. وبما أن سنة الحياة هي العمل على تحسين موازين القوة لصالح كل طرف يستطيع ذلك وإن كان على حساب الاتفاق المعقود فإن الولايات المتحدة سعت في السابق، وستسعى في كل لحظة تعقد فيها أي اتفاق، ومنذ اللحظات الأولى للتوقيع على العمل على نقض الاتفاق إذا ما توفرت لها الظروف. فلا قدسية للمعاهدات والاتفاقات إذا ما اقتضت في تلك اللحظات المصلحة الأميركية كما تحدّدها هي وإن كان على حساب الآخرين. فالتفاهم مع الروس وقبل ذلك الاتفاق على الملف النووي مرشح بقوّة للنقض أو التخلّي إذا ماشعرت أنها تستطيع أن تقوم بذلك حتى مع عقوبات إذا استطاعت أن تستوعبها. لكن هذه القدرة رهن التحوّلات الداخلية السلبية التي تشهدها الولايات المتحدة والتي قد تحدّ من فعّاليتها.
في هذا السياق، علينا أن ننتبه أن التحوّلات التي حصلت وما زالت تحصل داخل هذه المجتمعات الدولية وحتى سائر الدول أدّت وتؤدّي إلى تناثر مراكز القوة والنفوذ (dispersion) ما يحول دون إمكانية لأي طرف أن يفرض سلطته أو رأيه. لكن هل بإمكان التفاهم بين القطبين أن يحقق ذلك ويؤدّي إلى فرض تسويات على سائر الأمم؟  هذا ما لا نعتقد أنه ممكن في الظروف الراهنة لأن الأمم بشكل عام وخاصة الدول المعنية في الوطن العربي وفي الإقليم لديها من القوة الذاتية ما يسمح لها بتعديل أو تأخير التفاهمات أو ابتزاز وانتزاع بعض المكاسب، أي بمعنى آخر هناك قدر من الاستقلالية لدى الدول العربية الوازنة يجعلها تتخذ قرارات وإن كانت غير صائبة في بعض الأحيان إلاّ أنها ليست بالضرورة تنفيذا لإملاءات خارجية. كما أن "التمرّد" على الإرادة الدولية وأو الإقليمية هي التي تفسّر منطق المقاومة للاحتلالات المتعدّدة، وتفسّر عند حلفاء الولايات المتحدة رفع سقفها السياسي في الملفات الساخنة التي تحاول الولايات المتحدة إطفاءها. فليست كل القرارات العربية من صنع الولايات المتحدة وإن كانت لا تمانع هذه الأخيرة هذه القرارات العربية المدمّرة للأمة. كما أن  المقاومة ليست تنفيذا لإرادة دولية أو إقليمية في العراق أو في سورية أو طبعا في فلسطين. هذا الأمر، اي تناثر النفوذ، قد يؤدّي بدوره إلى إطالة الأزمات إن لم تحسم ميدانيا أو إن لم يحصل توافق داخلي بعيدا عن الأجندات الخارجية. وليس كل شيء يسير في صالح القوى الدولية في المنطقة مهما كانت. 
أولا-المسرح السوري للصراع الروسي الأميركي
من الواضح أن المسرح السوري ساحة تنافس شديد القسوة يعكس مدى تصادم المصالح الروسية مع المصالح الأميركية إضافة إلى المصالح الإقليمية المتصادمة. لكن نلاحظ حرص الطرفين على عدم التصادم المباشر والاكتفاء بالتصادم عبر الحلفاء/الوكلاء على الأرض. فلروسيا استراتيجية واضحة المعالم والأهداف بينما للولايات المتحدة مواقف تتميّز بطابع ردّة الفعل وليس الفعل رغم كل ما يمكن أن يتصوّره المرء من إمكانيات وقوة نارية واقتصادية ومالية لديها. ونفسّر ذلك بمنحى التراجع المزمن الذي عرّفنا عنه منذ عام 2003 وما زلنا أي أننا نعيش حقبة الأفول الأميركي في المنطقة وحتى في العالم. ويعود ذلك لأسباب داخلية أميركية في المترتبة الأولى تتمثل في انسداد أفق النظام السياسي والتراجع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتحوّلات في البنية السكّانية وانعكاسها على مراكز القوة والقرار وثقافة العنف لحل المشكلات في زمن التراجع. ونكرّر أن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة أصبحت دولة متخلّفة أو فقيرة أو ضعيفة في القدرات العسكرية والاقتصادية لكن كل رصيدها لا يمكنه أن تصرفه كما تريد  سياسيا واقتصاديا في الساحات الدولية بشكل عام وفي المنطقة العربية بشكل خاص. ومن هنا نعتبر أن المقاومة للاحتلال في العراق كانت بمثابة الضربة القاضية للتقدم الأميركي أوقفت مشروعها في المنطقة العربية ففتحت الأبواب على مصراعيها لجميع احتمالات "التمرّد" على الإرادة الأميركية.
أ-روسيا. في الميدان السوري تتبع روسيا استراتيجية لاعب الشطرنج الذي بعد عمليات الافتتاح في حركات البيادق يسعى إلى توضيع القطع الأساسية من فرسان وأفيال وقلاع وملكة في الأماكن التي تعتبرها استراتيجية على طاولة المربعات الأربعة وستين. فهي تقضم وتقوم بتراكم الإنجازات الصغيرة التي تتحوّل إلى كتلة حسّاسة لا يستطيع الخصم أن يقاومها فيستسلم. وإذا حلّلنا مسار سلوك روسيا منذ خريف 2012 حتى الساعة نرى كيف استطاعت استعمال حق النقض في مجلس الأمن إلى الإمداد العسكري إلى التفاوض في جنيف واحد ثم اثنين ثم فينّا وموسكو ونيويورك في مجلس الأمن في مراكمة المكاسب السياسية تُوّجت بمساندة عسكرية واسعة في أيلول الماضي فانتزعت من خلالها معظم الأوراق التي كانب بيد الولايات المتحدة. ليس هدف هذه الورقة البحث في المحطّات المختلفة ولا سرد التطوّرات على المسرح السوري بل التركيز على أن لروسيا استراتيجية واضحة تسعى إلى فرض تسوية وفقا لمصالحها. فهي تسعى إلى إيقاف النزيف في سورية الذي يؤجّج تنامي قوى التعصّب والغلو الذي يشكّل تهديدا مباشرا على الأمن القومي الروسي لما لها من جاليات مسلمة في دول الاتحاد الروسي. كما أن تقليص نفوذ الولايات المتحدة في المشرق العربي يساعدها على تحقيق هدف استراتيجي مزمن منذ حقبة القياصرة وهو الدخول إلى البحر المتوسط وإن كانت فعّالية ذلك الدخول محفوفة بالقيود كضرورة المرور بمضيق البوسفور الذي يتحكم به الحلف الأطلسي عبر تركيا. من هنا نفهم قيمة المشروع الإيراني لحفر قناة تربط بحر القزوين بالخليج العربي. وأخيرا تسعى روسيا إلى تأمين الجنوب الغربي للكتلة الجغرافية لاوراسيا التي تشكّل في رأينا الهدف الأساسي للعبة الأمم في هذه الألفية. ولنا رأي في هذا الموضوع عرضناه بشكل سريع في الورقة التي قدمناها في شهر تشرين الأول للأمانة العامة للمؤتمر.
الإنجازات العسكرية الميدانية للجيش العربي السوري تؤهّل روسيا لفرض تنازلات على الولايات المتحدة خلال المفاوضات. فمن جهة استطاعت روسيا فرض تصنيف العديد من المنظّمات المقاتلة على الأرض السورية كتنظيمات إرهابية غير مؤهّلة للدخول في مسار التفاوض والحل السياسي، كما فرضت على عدم اختزال المعارضة السورية للحكومة في مجموعة التي ترعاها حكومة الرياض، كما أنها تسعى حتى هذه الساعة إدخال أطراف جديدة إلى طاولة الحوار ككرد سورية. والانجاز الأكبر هو التسليم بوحدة الأراضي السورية وعدم تقسيمها رغم الالتباس في دعوات إلى "فدرالية" تصدر من وقت إلى حين عن بعض المسؤولين في روسيا سرعان ما يتمّ التراجع عنها، وكأنها نوع من وسائل الضغط على بعض الأطراف في الدولة السورية لإبداء بعض "المرونة" في ملفّ المفاوضات. أما بالنسبة لمصير الرئيس السوري بشّار الأسد فاستطاعت روسيا إقناع الولايات المتحدة ومعها الاتحاد الأوروبي أن المسألة تترك للشعب السوري وأن لا شروط مسبقة لتنحّيه وعدم ترشّحه.
ب-الولايات المتحدة. اعتبرت الولايات المتحدة منذ اندلاع الحراك الشعبي العربي في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين أن روسيا إما لا تستطيع التدخّل في مسار الأمور أو ليست لديها أي رغبة في ذلك بسبب فقدان نفوذها في المنطقة منذ فترة تفكّك الاتحاد السوفيتي. هذا دليل قاطع على سؤ تقدير فادح تدفع ثمنه الولايات المتحدة كما أنه يدّل على ترهّل القدرات على التقدير والتخطيط، سواء بسبب الغطرسة أو بسبب رداءة النخب الحاكمة. وبالتالي اعتبرت الولايات المتحدة أن الساحة السورية خالية من أي منافسة دولية لها وتستطيع أن تتحكم بمسار الأمور إلى أن أتت الخدعة الغربية بقيادة الولايات المتحدة في تحوير قرار مجلس الأمن بحق الأزمة في ليبيا. واعتقدت الولايات المتحدة أن يمكنها تجاوز روسيا في الملف الليبي وحتى في سائر الملفات وخاصة في الملف السوري إلى أن أقدمت روسيا ومعها الصين على استعمل حقهما في النقض في مجلس الأمن في أواخر 2011وذلك بعد أن ثبت صمود سوريا دولة وقيادة ومؤسسات وخاصة المؤسسة العسكرية. فكان تعطيل دور مجلس الأمن كأداة للسياسة الخارجية الأميركية.
هنا لا بد من توضيح بعض الأمور على موقف الولايات المتحدة في الملف السوري. لا نقاش حول رأي ورغبات الإدارة الأميركية تجاه طبيعة الدولة السورية وقيادتها. لكن سورية لا تشكّل بالنسبة للولايات المتحدة أولوية جيوسياسية بل مدخلا لابتزاز الجمهورية الإسلامية في إيران في مرحلة المفاوضات معها على الملف النووي. كما أنها تعارض وجود إيراني على شواطئ البحر المتوسط بعد الوجود غير المباشر للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان عبر محور المقاومة وحلفائها. لذلك تجنّبت الولايات المتحدة من الانخراط المباشر عسكريا في الأزمة السورية وإن كانت المسؤولة الأولى عن عسكرة الحراك الشعبي وتفاقم استمرار القتال والدمار. فالحرب بالوكالة وعبر التحريض الفئوي من أفتك وأرخص الأسلحة في الترسانة الأميركية فكان ما كان. بالمقابل نفهم عدم تمسّك الإدارة الأميركية بوكلائها وحتى ببعض التنظيمات التي أوشكت أن تهدّد مصالحها في العراق وفي دول الجوار. لذلك كان الدخول في مفاوضات للتسوية مع روسيا في الشأن السوري، بعد فشل تحقيق أهدافها عبر وكلائها، ورقة تستخدمها سواء بالتمسّك بها أو بالتفسير الملتبس لما يمكن أن يصدر عنها. فخسارتها محدودة في سورية حيث لا مصالح حيوية لها بينما خسارة حلفائها أكبر بكثير وتفوق قدرتهم التحمّل. مرّة أخرى تتحقّق المقولة أن مخالفة الولايات المتحدة أمر مكلف لكن مهادنتها أو التحالف معها أمر قاتل!
اعتبرت الولايات المتحدة انها تستطيع تحديد وتيرة الأحداث في سورية عبر التحريض المباشر من قبل وزيرة الخارجية آنذاك هيلاري كلنتون، المرشحة المرتقبة للرئاسة الأميركية عن الحزب الديمقراطي. فهي التي حرّضت على استمرار حمل السلاح وعدم القبول بالعفو الصادر عن الدولة. كما أنها دعت وما زالت في خطابها السياسي إلى مقاربة سورية من زاوية التجمّعات الطائفية والمذهبية والعرقية مع إغفال متعمّد للهوية الوطنية وللهوية القومية العربية لسورية. فليس هناك سوريون بل طوائف ومذاهب وأعراق، كما حصل تماما في العراق.
التحريض الأميركي واللامبالاة للتحوّلات السياسية على الصعيد الدولي والإقليمي وصل إلى ذروته في صيف 2013 مع افتعال أزمة السلاح الكيماوي. نتذكر جميعا الكلام الكبير للرئيس الأميركي عن "الخط الأحمر" الذي تخطّته الدولة السورية على حسب زعمه في استعمال السلاح الكيماوي مما يستدعي التدخل العسكري الأميركي المباشر. غير أن الرسائل الإقليمية (إيران) والدولية (روسيا) وحتى داخل المؤسسة العسكرية الأميركية كانت واضحة للغاية أي أن التدخل العسكري الأميركي كان سيؤدّي إلى انفجار واسع في المشرق يطال بشكل مباشر ليس فقط المصالح الأميركية بل حلفاءها كالكيان الصهيوني وتركيا وحتى دول مجلس التعاون الخليجي. فكانت الهندسة الروسية في إيجاد المخرج اللائق للولايات المتحدة عبر قرار تسليم المخزون الكيماوي لدى الدولة السورية. 
المحطة التالية في الأزمة السورية من زاوية الولايات المتحدة كانت استمرار المواجهة مع الدولة السورية ولكن عبر منظّمات التشدّد والغلو والتعصب. فالتغاضي عن نمو ما يسمّى بالدولة الإسلامية في العراق والشام، أي داعش، لم يكن ليحصل لولا التسهيلات التركية (بموافقة أميركية صريحة) والدعم اللوجستي لها في العراق من قبل بلاد الحرمين وفيما بعد تمدّدها في شمال سورية. الحرب عبر داعش وجبهة النصرة كانت البديل عن الارتكاز على "معارضة معتدلة" أظهرت فشلها بعد لجوء العناصر التي درّبتها الاستخبارات الأميركية إلى صفوف إما داعش أو النصرة. عندما خرج التنظيمان عن السيطرة وخاصة داعش كان لا بد من الولايات المتحدة الظهور بالموقف المناهض لداعش فكان "التحالف الدولي" لضرب داعش والتي استفادت منه داعش من جهة العتاد والعداد والتمدّد الجغرافي في العراق ومن بعد ذلك في سورية. وبعد حوالي سنة من المسرحية لإيقاف داعش كان التدخل الروسي بناء على طلب رسمي من الدولة السورية الذي غيّر من موازين القوة على الأرض ولصالح الدولة السورية والجيش العربي السوري. فهذه المتغيّرات أجبرت الولايات المتحدة على ضرورة التفاهم الجدّي مع روسيا.
نقول "التفاهم الجدّي" لأن التفاهم الروسي الأميركي بدأ عام 2012 في اجتماع الرئيسين بوتين واوباما في كانكون. غير أن الظروف الموضوعية داخل الولايات المتحدة لم تسمح للرئيس الأميركي في السير في ذلك الاتجاه إلى أن أتت أزمة صيف 2013 والتي تمكّن من خلالها الرئيس الروسي من تثبيت حضوره الدولي كشريك أساسي في أي تطوّر ممكن. بالمقابل استطاع الرئيس الأميركي أن يقطع الطريق أمام صقور الإدارة والكونغرس للمطالبة بالتدخل العسكري المباشر في سورية، المطلب الذي ما زال قائما لدى الكيان الصهيوني وحكومة الرياض وأنقرة وطبعا أتباعهما في الساحات العربية.
التفاهم من خلال أزمة 2013 ساهم في تفعيل المفاوضات على الملف النووي في إيران. فعلى أثر إنجاز الاتفاق النووي مع الجمهورية الإسلامية في إيران وعلى ضوء المتغيرات الحاصلة في موازين القوة على الأرض وفي الميدان كانت الأرضية لتسوية سياسية بين القوتين الدوليتين ممهدة، فنحن نعيش هذه اللحظة دون التنبؤ بنجاحها أو إخفاقها. لن نسارع بالقول إن التسوية تحصيل حاصل كما لا نقول إنها غير قابلة للتنفيذ. لكن استمرار إنجازات الجيش العربي السوري في ميدان المواجهات مع كل من داعش والنصرة سيجعل من فرص تسوية ترضي إلى حدّ ما حكومتي الرياض وأنقرة تتراجع. فما على حكومة الرياض وأنقرة إلاّ أن تعدّلا في طموحاتهما وتتكيّفا مع المستجدات الميدانية. حتى اللحظة لا نستطيع القول إنهما وصلا إلى تلك القناعة رغم بعد التباشير الصادرة عن حكومة أنقرة بالسير في ذلك المنحى.
ج-معالم التسوية الروسية الأميركية في سورية. ليست لدينا معلومات غير ما نقرأه في مختلف وسائل الاعلام والمحطات الفضائية التابعة لمختلف الفرقاء المتصارعين في وعلى الساحة السورية. فعلى ما يبدو فإن ملامح هذه التسوية يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
أولا-الحفاظ على وحدة الأراضي السورية ومؤسسات الدولة وفي مقدمتها الجيش العربي السوري خلافا لما حصل في العراق وأو في ليبيا.
ثانيا-تشكيل حكومة "انتقالية" أو "وحدة وطنية" (يبدو هناك تباين على تسمية هذه الحكومة) من خلال الدستور الحالي تقوم بالإعداد لانتخابات برلمانية جديدة ورئاسية وتحضّر التعديلات المطلوبة التي سيتم التفاوض عليها. التأكيد على تشكيل الحكومة من خلال الدستور الحالي هو إنجاز لكل من سورية وروسيا إذ أن البديل عن ذلك هو تحديد مرجعية خارجية تكون وصية على سورية وهذا ما لم ولن تقبله الدولة السورية قيادة وحكومة وشعبا. ما هو مسكوت عنه هو توجّهات الحكومة الجديدة والتعديلات المقترحة للدستور التي ستحدد طبيعة الدولة (دولة اتحادية أو لا مركزية إدارية نسبية؟) وهويتها (عربية؟؟؟) ودورها في شتى الميادين وخاصة في الصراع العربي الصهيوني.
وهنا تقفز إلى الواجهة عدة أسئلة: كيف ستتعامل كل من روسيا والولايات المتحدة مع الانتخابات التي حصلت في نهاية الأسبوع الثاني من شهر نيسان 2016؟  أليس هذا مؤشرا عن مدى حرص الدولة السورية وقيادتها على تثبيت استقلاليتها وسيادتها؟  أليس إصرار الموفد الأممي دي ميستورا على تأجيل الانتخابات بحجة أن هناك مناطق سورية خارج سيطرة الدولة (وأو النفوذ الدولي؟!) تجعل إجرائها في اللحظة تجاهلا لرأي المواطنين السوريين فيها، واستطرادا رأي السوريين في الشتات؟  أليس الحرص على ذلك دليلا أن تلك القراءة تفترض أن السوريين الموجودين في مناطق خارج سيطرة الدولة يعارضون الدولة ونظام الحكم القائم، ضاربة عرض الحائط كل المؤشرات (ككثافة المشاركة الشعبية) التي تقول عكس ذلك؟  
ثالثا-استطاعت الدبلوماسية الروسية انتزاع تنازل كبير من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول ضرورة استمرار الرئيس الأسد في موقعه وأن مصيره يحدّده الشعب السوري بعد أن كانت تنحّيته شرطا أساسيا لأي حل سياسي. لكن حلفاء واشنطن في المنطقة ما زالوا متردّدين (حكومة أنقرة) أو مكابرين (حكومة الرياض) حيال هذا الأمر وهذا ما نعيشه في اللحظة الراهنة عند كتابة هذه السطور.
رابعا-استطاعت الدبلوماسية الروسية من وضع جبهة النصرة على قائمة الإرهاب واستبعادها من المشاركة في أي حل سياسي، وكذلك الأمر بطبيعة الحال لداعش. أما المجموعات المسلّحة التابعة لحكومات إقليمية (أنقرة والرياض) فما زال الجدال قائما حول إدخالها في إطار وفد المعارضة. أوكلت هذه المهمة على ما يبدو إلى الدبلوماسية الروسية. في هذا السياق يمكن قراءة التطوّرات الأخيرة كإعادة تموضع القوات الروسية أو سحب الجزء الأكبر من قواتها من سورية على هذه القاعدة. وهناك قراءات متعدّدة لتلك الخطوة الروسية. القراءة الأولى تعتبرها خطوة تكتيكية تربك الخصوم وخاصة الولايات المتحدة وتفقدها ورقة انتقادية لروسيا، كما يمكن قراءة الخطوة كضغط على الحكومة السورية لإبداء "مرونة" أكثر في التسوية. لسنا متأكدين أن التصلّب السوري هو في موضوع المعارضة ولا حتى في الصلاحيات الدستورية بل في التوجّهات السياسية الإقليمية والدولية للحكومة المرتقبة كخطوة أولى للحل. فما يلي يعبّر عن بعض هواجسنا تجاه ما يمكن أن ينتج عن "التسوية".
فإذا نعتبر أن هذه الحلول من خلال "التسوية" وإن كانت ضرورية لإيقاف النزيف والدمار في سورية إلاّ أنها ما زالت غامضة تجاه ما نعتقد حول الأهداف البعيدة وأو غير المعلنة لهذه "التسوية". فمنذ بداية الأزمة وما رافقها من أحداث دامية ودمار شامل اعتبرنا أن الحراك الشعبي في سورية هو حراك لمطالب مشروعة غير أن جهات خارجية إقليمية ودولية منخرطة بشكل مباشر وغير مباشر في الميدان السوري ولها أجندات مشبوهة حرّضت على تفاقم واستمرار القتال. الحرب الكونية التي شُنّت على الدولة السورية شعبا وأرضا وحكومة وقيادة لم تكن لإنجاز الإصلاحات المطلوبة بل لتغيير دور سورية. فمن الصعب القبول أن بعض الدول العربية المنخرطة في الحرب على سورية حريصة على حقوق الشعب السوري أوإرساء الديمقراطية فيها وهذه الدول لا دستور لها ولا برلمان ولا حقوق سياسية أو غيرها لرعاياها. فالهدف من الحرب على سورية كان في رأينا وما زال إدخال سورية في "التسوية الكبرى" للقضية الفلسطينية. لذلك تراودنا شكوك عميقة حول يقين "التسوية" المتداولة من ناحية دور سورية في الصراع الأم بين العرب والصهاينة. هذا ملف يستحق النقاش ولكن على ضوء معلومات مؤكدة وليست فقط على قاعدة التقديرات.
نشير في هذا السياق أن روسيا غير معنية بموقف محور المقاومة تجاه الصراع مع الكيان الصهيوني. فدبلوماسيتها تركّز على ضرورة اللجوء إلى الشرعية الدولية، إي إلى قرارات مجلس الأمن، التي تقرّ بحق بقاء الكيان الصهيوني وبضرورة تنازل الشعب الفلسطيني عن حقه في الجزء الأكبر من فلسطين. كما أن لروسيا مصالح هامة في الكيان كجالية روسية قوامها مليون أو أكثر نسمة إضافة إلى مصالحها الغازية في حقول الغاز الممتدة من شواطئ غزّة إلى الحدود اللبنانية. أما الولايات المتحدة فموقفها من حماية الكيان الصهيوني من الثوابت في السياسة الخارجية الأميركية وإن كانت في رأينا بعض المؤشرات تنبّئ بتحوّلات في هذا الموقف وإن لم تتبلور وتصبح موقفا رسميا (راجع في هذا السياق ما أتينا به في ورقتنا للأمانة العامة في تشرين الأول 2015). 
هناك على ما يبدو توافق روسي أميركي حول حل للقضية الفلسطينية. فمواقع عدة في الولايات المتحدة تعتبر أن الرئيس الأميركي يفكّر جدّيا في إعادة الاعتبار إلى حل الدولتين وإيقاف الاستيطان واعتبار القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية. حتى هذه الساعة لم تصدر أي مبادرة قد توافق عليها روسيا. كما أن هناك شكوكا حول قدرة الرئيس الأميركي على تسويق هكذا تسوية تدخله في التاريخ كصاحب الإنجازات السياسية الخارجية الكبرى كالاتفاق مع الجمهورية الإسلامية والتطبيع مع كوبا والاتفاق حول المناخ وربما أخيرا تسوية النزاع المزمن في المشرق العربي. ففي جو المزايدات الداخلية في الحزب الجمهوري وقطاعات واسعة داخل الحزب الديمقراطي تجاه التأييد المطلق للكيان وسلطة اللوبي الصهيوني على الإعلام الأميركي فمن الصعب أن يحقق الرئيس الأميركي أي نجاح في هذا الموضوع وإن كانت هناك قاعدة شعبية أميركية متنامية حتى داخل الجالية اليهودية الأميركية تسعى إلى حل الدولتين.
ثانيا-المسرح العراقي للصراع الروسي الأميركي
الحضور الأميركي في العراق ما زال أقوى من الحضور الروسي. استطاعت الولايات المتحدة استغلال لحظة الضعف الروسي للدخول إلى العراق والهيمنة عليه. أما وقد خرجت القوات الأميركية من العراق باستثناء بعض التشكيلات العسكرية الصغيرة الحجم فإن نفوذ الولايات المتحدة تراجع تراجعا كبيرا وإن كان ما زال يحظى بقدر كبير من التأثير في قطاعات واسعة ووازنة بين النخب السياسية التي أفرزتها ما يُسمّى بالعملية السياسية.
الحكومة العراقية الحالية تحاول إيجاد بعض التوازن مع الولايات المتحدة عبر نسج علاقات مع روسيا. من هنا نفهم زيارة رئيس الوزراء العبادي إلى روسيا وإنجاز بعض الاتفاقات العسكرية والاقتصادية. وزيارة الوزير الخارجية الأخيرة لبغداد محاولة لتجديد وتوثيق العلاقة مع واشنطن. الملف المشترك بين الحكومة العراقية والأميركية وإلى حدّ ما روسيا هو ملف داعش. فما زالت الولايات المتحدة تضغط على الحكومة العراقية لمنع اللجوء إلى المساعدة الروسية أسوة بما حصل في سورية. لكن الوقائع الميدانية في سورية قد تفرض مراجعة لموقف الولايات المتحدة وضرورة التفاهم مع روسيا ليس فقط في سورية ولكن أيضا في العراق.
الملف الثاني المشترك بين روسيا والولايات المتحدة هو الملف الكردي. فإذا كانت الولايات المتحدة داعمة للإقليم الكردي إلاّ أن هذا الدعم لم يترجم إلى دعم النزعات الانفصالية. كذلك الأمر بالنسبة لروسيا. فالانفصال في العراق له تداعيات كبيرة على كل من الجمهورية الإسلامية في إيران وتركيا وسورية. والعدوى الانفصالية إن انتقلت إلى تركيا تؤثر في الأمن القومي الروسي. من هنا نفهم التعاون الضمني الروسي الأميركي في الملفات العراقية الساخنة وإن كان لا يخلو من تباينات في وجهات النظر. الداعم الأول للنزعة الانفصالية في العراق هو الكيان الصهيوني الذي يشجع أيضا على تجزئة العراق إلى كيانات عرقية وطائفية وفقا لرؤية برنارد لويس.  يحذّر هذا الأخير من أي نزعة وحدوية في المشرق العربي الذي يريده تجمّعا للأعراق والطوائف فقط لا غير.
ثالثا-الصراع الروسي الأميركي في ليبيا
الخدعة الأميركية في الموضوع الليبي كانت نقطة انطلاق التحرّك الروسي على الصعيد الدولي والإقليمي لردع الهيمنة الأميركية والتعالي والغطرسة إن لم نقل البلطجية في سياساتها الخارجية تجاه الحلفاء والخصوم. أما اليوم فبعد تدهور الوضع الليبي حيث أصبحت ليبيا نقطة تجمّع القوات العائدة لداعش وحلفائها من التنظيمات المتشدّدة وبالتالي مصدر خطر مباشر على أوروبا والمصالح الغربية بشكل عام والأميركية بشكل خاص فيما يتعلّق بالنفط والأمن المتوسطي كان لا بد من التفاهم مع روسيا لوضع تسوية للأزمة الليبية. ما زلنا في هذه اللحظة بانتظار نضوج تلك التسوية. ولكن بات واضحا أن الخروج المرتقب لقوات داعش من سورية اليوم وغدا من العراق قد تجعل من ليبيا نقطة انطلاق للتمدّد في المغرب العربي وجنوبا إلى دول الساحل الإفريقي وصولا إلى وسط إفريقيا.
التسوية المرتقبة في ليبيا لا تعنى نهاية الصراع بين الدولتين فيها بل فقط ضبط إيقاع التنافس لمنع التدهور والخروج عن السيطرة. طالما كانت الإرادة العربية مغيّبة فالتدخّل الخارجي أمر طبيعي لأن الطبيعة لا تتحمّل الفراغ.
كانت هذه قراءة سريعة للصراع الروسي الأميركي في المناطق الساخنة في الوطن العربي. فالمواجهة السياسية المباشرة بينهما كانت واضحة خلال السنوات الخمسة الماضية في سورية وليبيا تتحوّل بوتائر مختلفة إلى تفاهمات ضمنية وأو صريحة ليس لإنجاز تسويات تقسّم النفوذ بينهما في المنطقة العربية بل في رأينا لضبط إيقاع المواجهة لعدم تفاقمها وصولا إلى مواجهة مباشرة عسكرية سواء في أوروبا الشرقية أو في مشرق الوطن العربي. الدليل على استمرار الصراع ولو بوسائل مختلفة مسرحية تسريب "أوراق بناما" التي تطال بشكل عام خصوم الولايات المتحدة وبشكل خاص الرئيس الروسي بوتين. فالصراع، إن لم نقل الحرب بين الدولتين، وإن تسللها بعض "التفاهمات" هي قاعدة العلاقات وإن تعدّدت الوسائل. بات واضحا أن الإعلام الذي تسيطر عليها مؤسسات قريبة من المجمع العسكري الصناعي الأمني المالي الغربي هو سلاح تحريض ودمار شامل.
الجزء الثاني-الصراع الإقليمي العربي
يتمحور الصراع الإقليمي العربي في عدد من الساحات. الساحة الأولى هي الصراع الأم وهو الصراع العربي الصهيوني. أما الصراع الثاني فهو الصراع العربي التركي في ساحات متعدّدة كالساحة المصرية والساحة السورية، وساحة الجزيرة العربية. أما الصراع الثالث فهو الصراع بلاد الحرمين مع الجمهورية الإسلامية في إيران في كل من الساحة العراقية والسورية واللبنانية واليمنية وما يرافقه من محاولات نسج تحالفات بين مصر وبلاد الحرمين والكيان الصهيوني كمشروع الجسر الذي يربط "آسيا بإفريقيا"!
أولا-الصراع العربي الصهيوني
كانت وما زالت القضية الفلسطينية القضية المركزية للأمة العربية. والصراع العربي الصهيوني مرّ بتحوّلات حيث خرج زمام المبادرة في مواجهة الكيان من أيدي النظام الإقليمي العربي إلى ما يمكن تسميته بالحراك الشعبي وخاصة عند الشعب الفلسطيني. هذا الشعب العظيم ما زال يسطّر الأساطير في مواجهة غير متكافئة على الورق وفي الميدان ولكنه يسجّل نقاط في منتهى الأهمية رغم تخاذل الحكومات العربية وفقدان بوصلتها السياسية ورغم تواطؤ الغرب المستند إلى تخاذل العرب وأخطاء القيادات الفلسطينية في خيارات المواجهة مع الكيان.
في الورقة السابقة اعتبرنا أن الحراك القائم في كل فلسطين، ضفة وأراض 1948، انتفاضة من نوع فريد وليست "هبة" كما ما زال يصفها البعض. فالتفلسف في التسميات لذلك الحراك لا يغني عن جوع ولا يسمن بل يعكس فقدان الإرادة للانخراط الفعلي في مواجهة العدو. صحيح أن كوادر وعناصر الفصائل الفلسطينية منخرطة في الصراع ولكن لم نشهد تشكيل قيادات موحدة وغرفة عمليات تنسق وتدعم المبادرات الإبداعية للشعب الفلسطيني من شباب وصبايا استطاعوا تحدّي حاجز الخوف فأظهروا عدم المبالات للحسابات الضيّقة أو العريضة التي تقوم بها "القيادات"!
قراءتنا للمشهد في فلسطين تفيد أن الكيان في حالة تراجع وإرباك أمام إبداع الشعب الفلسطيني. لكن هذا لا يعني أنه توقف عن عملية تهويد القدس والضفة الغربية مستفيدا من الصمت العربي الرسمي والإعلامي التابع لمصالح النفط باستثناء بعض الوسائل التي يتجرأ ذلك النظام على إسكاتها بدون خجل أو خوف من محاسبة. وليست محاولات إسكات محطة "الميادين" و"المنار" إلاّ دليلا قاطعا أن النظام العربي الرسمي أصبح شريكا فاعلا وفعّالا في تصفية القضية ناهيك عن السكوت عن استمرار الحصار على غزّة المقاومة بحجج لا تصمد أمام خطورة ما يصيب أهلنا في القطاع. وما يعزّز ذلك الشعور بتواطؤ النظام العربي الرسمي في تصفية القضية تنامي خطوات التطبيع في بعض الدول العربية. فبعد اللقاءات "العفوية" وفتح المكاتب التمثيلية التجارية نشهد طرح المشاريع المشتركة كمشروع الجسر بين الجزيرة العربية ومصر الذي لا يمكن أن يتحقّق دون موافقة ومشاركة الكيان الصهيوني.
غير أن نبض الشارع العربي ما زال مناصرا للشعب الفلسطيني ولقضيته ما يجعل طبيعة المواجهة مواجهة قومية في الدرجة الأولى مساندة لحراك الشعب. الأمثلة عديدة منها الهتافات لحوالي مائة ألف مشاهد في مباريات كرة القدم بين المنتخب الجزائري والمنتخب الفلسطيني نذكر منها أن الفريق الفلسطين لن يخسر في الجزائر. كما نذكر الطفل التونسي الذي رفض مصافحة منافس صهيوني له في مبارات الشطرنج فخسر اللقب وعندما سئل عن الخسارة أجاب بأن هذه الخسارة لا تساوي خسارة أطفال غزّة. وأخيرا موقف مجلس الشعب المصري الذي صوّت لطرد احد النواب الذي تباهى في استقبال سفير الكيان الصهيوني في منزله. نعم، ما زال الموقف الشعبي العربي سليم وعظيم في نصرة قضية فلسطين وإن تراجعت مكانة فلسطين في الاهتمام الرسمي العربي والاعلام الذي يدور في فلكه. 
فلسطين توحد الجماهير العربية. فلسطين أصبحت حاجة عربية لإنقاذ العرب بعد أن كانت وحدة العرب حاجة فلسطينية لاسترجاع فلسطين. الانتفاضة تساهم في تفاقم الانفصام بين الجماهير والنخب الحاكمة في الوطن العربي. إن استمرار الانتفاضة من العجائب خاصة وأن التنسيق الأمني بين سلطات الاحتلال والسلطة الفلسطينية تحول دون توسيع رقعة الانتفاضة والانتزاع المزيد من الإنجازات المعنوية لصالحها. فخيار السلطة واضح وهو نقض الانتفاضة والاستمرار بالحوار العبثي مع الكيان. للمزيد عن الموضوع يمكن مراجعة ورقة الأستاذ منير شفيق حول الانتفاضة.
ثانيا-الصراع العربي التركي
كما ذكرنا أعلاه فإن الصراع العربي التركي يتجلّى في أربع ساحات: الساحة السورية، والساحة العراقية، وفي ساحة الجزيرة العربية، والساحة المصرية. وهذا الصراع يعكس طابع العلاقات الملتبسة بين الدولة التركية والدول العربية. هذه العلاقة الملتبسة لها جذور تاريخية تعود إلى حقبة السلطنة العثمانية في العقود الأخيرة من عمرها ونظرتها للولايات العربية. كما أن ردّة فعل تلك الولايات تجاه السلطنة إبان الحرب العالمية الأولى خلقت بيئة حاضنة لنظرية قطع العلاقة مع تركيا. 
تركيا الكمالية أدارت ظهرها للوطن العربي وللعرب عموما وتوجّهت في محاولة بائسة نحو الالتحاق بالغرب. وصول حزب التنمية والعدالة إلى السلطة شكّل منعطفا كبيرا في التوجّه التركي نحو الشرق بشكل عام والوطن العربي ودول جواره بشكل خاص عبر سياسة "صفر مشاكل" التي تمّ الترحيب بها عربيا عندما أطلقت. لسنا في إطار مناقشة محاولات تركيا بنسج علاقات مع الغرب إلاّ أن ما يهمنا هو موقفها من الصراع العربي الصهيوني في المرتبة الأولى ومشاريع إحياء الدور العثماني في الهيمنة على الوطن العربي عبر جماعة "الإخوان المسلمين".
فبالنسبة للعلاقة مع الكيان الصهيوني فهناك تباين بين القاعدة الشعبية التركية التي تتعاطف مع القدس وفلسطين وبين الحكومة التركية وقيادتها. فالتطوّرات الأخيرة من إخفاقات تركية على الصعيد الدبلوماسي وخاصة مع روسيا دفعت الحكومة التركية لرفع درجة التنسيق مع الكيان إلى درجة الحالف الإستراتيجي. هل يصمد ذلك على الصعيد الشعبي في تركيا؟
أ-الصراع في الساحة السورية. قراءتنا للدور التركي في الصراع في سورية مبنية على اعتبارين. الاعتبار الأول يندرج في إطار طموحات الرئيس التركي اردوغان ووزير خارجيته داوود اغلو في إحياء مشروع العثمانية الجديدة واستعادة بعض المناطق في سورية وحتى العراق من تقسيمات سايكس بيكو. كما أن فرض النفوذ على مختلف الأقطار العربية عبر توكيل جماعة الاخوان المسلمين قد يحقّق ذلك المشروع. اما الاعتبار الثاني فيعود إلى الطموح للعب دور الوسيط في تسوية الصراع العربي الصهيوني عبر عقد اتفاقية سلم في الحد الأقصى أو تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني في الحد الأدنى. 
طموحات تركيا لم تتحقق مع الدولة السورية. لذلك انقلبت بشكل مفاجئ في ربيع 2011 على الدولة السورية قيادة وحكومة وشعبا وحتى أرضا بعد تبيّن لها أن كافة محاولاتها التي دعمتها الدولة القطرية للتطبيع مع الكيان الصهيوني قط فشلت كما أنها فشلت في حثّ الدولة السورية على مناهضة حكومة نور المالكي في العراق لمصلحة اياد علاوي. والمعلومات المتوفرة حول تجهيز مخيمات للاجئين السوريين في تركيا التي سبقت اندلاع الاحداث الدامية تؤكّد ضلوع تركيا في تفاقم الأزمة في سورية مسبقا لترويض في الحد الأدنى الدولة أو تغييرها في الحد الأقصى بعدما تهاوت رموز دول عربية كتونس ومصر وليبيا بشكل سريع مما عزّز وهم تكرار السيناريو في سورية. الحجة التي تقضي بضرورة إجراء إصلاحات جذرية بمثابة كلام حق يراد به باطل. المفارقة تكمن عندما تطالب قطر، شريكة تركيا في الأزمة السورية منذ البداية، بإصلاحات دستورية نحو المزيد من الديمقراطية!  دعم تركيا للإخوان المسلمين في سورية هو قرار بقلب النظام القائم في سورية.
سياسة استنزاف سورية الأميركية طبّقتها تركيا عبر فتح الحدود للمجموعات المتشدّدة معتبرة أن تلك المجموعة تحت السيطرة. حسابات الحقل لم تتطابق مع حسابات البيدر فيما يتعلق بداعش. أما جبهة النصرة فما زالت تركيا تعتقد أنه بإمكانها السيطرة عليها وكذلك المجموعات الأخرى. الضغط الروسي والأميركي على تركيا لضبط الحدود ما زال قائما. وتركيا تنظر بارتياب إلى إمكانية الجيش العربي السوري في إحلال السيطرة الكاملة على حلب واستعادة ادلب والرقة. نحن في هذه اللحظة.
استفادت تركيا بشكل كبير من سياسة الانفتاح الاقتصادي وفتح الحدود للبضائع التركية التي أطلقها الرئيس بشار الأسد. كان الوفاء لهذه الاستفادة بتفكيك أكثر من 6000 معمل في حلب وريفها ونقلها إلى تركيا. 
ب-الصراع في الساحة العراقية. ما زالت تركيا تسعى لتصحيح نتائج الحرب العالمية الأولى وما زالت تطالب بالموصل. كما أن إقليم كردستان يشكّل بالنسبة لتركيا خطرا على وحدة تركيا وخاصة إمكانية انفصال كرد تركيا عن الدولة المركزية التركية وتشكيل كيان كردي على أطراف تركيا وسورية والعراق وربما إيران. فالمسألة الكردية مسألة مشتركة بين العرب والإيرانيين والأتراك من جهة والكرد من جهة أخرى وإن اختلفت المقاربات لها. 
سياسة الحكومة التركية في العراق مبنية على قاعدة