www.arabnc.org
   
الصفحة الرئيسة
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
المشاركون في الدورة ا
المشاركون في الدورة ا
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول المشاركين 30
جدول المشاركين 31
الأول 1990
الثاني 1991
الثالث 1992
الرابع 1993
الخامس 1994
السادس 1996
السابع 1997
الثامن 1998
التاسع 1999
العاشر 2000
الحادي عشر 2001
الثاني عشر 2002
الدورة الطارئة 2002
الرابع عشر 2003
الخامس عشر 2004
السادس عشر 2005
السابع عشر 2006
الثامن عشر 2007
التاسع عشر 2008
العشرون 2009
الواحد والعشرون 2010
الثاني والعشرون 2011
الثالث والعشرين 2012
الرابع والعشرون 2013
الخامس والعشرون 2014
السادس والعشرون 2015
السابع والعشرون 2016
الثامن والعشرون 2017
التاسع والعشرون 2018
الثلاثون 2019
الواحد والثلاثون 2022
القائمة البريدية
بحث
تصغير الخط تكبير الخط 
المشروع النهضوي العربي في عام 24 ((التنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية))

المؤتمر القومي العربي
ARAB NATIONAL CONFERENCE


المشروع النهضوي العربي في عام
التنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية 2012**

أ. عبد الغفار شكر *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نائب رئيس مركز البحوث العربية والأفريقية، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي - مصر
** لا تعبر هذه الورقة بالضرورة عن رأي الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي.
*** لا يجوز نشر هذه الورقة كلاً أو جزءاً إلا بموافقة تحريرية من إدارة المؤتمر.

 

المشروع النهضوي العربي في عام
التنميه المستقله والعداله الاجتماعيه 2012


يتابع المؤتمر القومى العربى حالة الأمة العربية فى دوراته السنوية، من خلال دراسة وتقييم التطورات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية التى شهدتها الأقطار العربية خلال العام المنصرف، وتجرى هذه المتابعة من منظور المشروع النهضوى العربى الذى يقوم على ستة عناصر أساسية: الوحدة العربية الديمقراطية، التنمية المستقلة، العدالة الاجتماعية، الاستقلال الوطني، الأصالة والتجدد ثقافياً ويدور البحث فى التطورات التى شهدتها الأقطار العربية فى مختلف المجالات من زاوية إقترابها أو إبتعادها عن العناصر الأساسية للمشروع النهضوى العربي، ومدى توفر إمكانيات حقيقية لدى القوى القومية والتعددية لوضع هذا المشروع موضع التطبيق من خلال إشتراكها فى النضال السياسى الدائر على إمتداد الوطن العربى ومدى فاعليتها فى التعامل مع التطورات الجارية لخدمة الشعوب العربية وتقريب يوم الوحدة فى إطار الإستقلال الوطنى والتحول الديمقراطى والتنمية المستقلة والعدالة الإجتماعية .
ورغم أن الشعوب العربية فى تونس ومصر وليبيا واليمن نجحت فى توجيه ضربة قاصمة للنظم السلطوية ببلدانها عندما نجحت من خلال الثورات الشعبيه العربيه عام 2011 فى خلع رؤوس هذه الأنظمة السلطوية وما ترتب على هذه الثورات من إنبعاث روح جديدة وخاصة بين الشباب العربى فى هذه الأقطار وغيرها حيث كانت على وشك الإنتفاض فى أقطار أخرى مثل المغرب والجزائر والأردن إلا أن النظم الحاكمة لها سارعت إلى إتخاذ إجراءات وقائية وقدمت تنازلات فى المجالين السياسي والإقتصادى الإجتماعى مما عطل قيام ثورات مماثلة بها.
 إنتعشت الأمال فى إمكانية تحقيق تغييرات جذريه فى دول الثورات العربيه ، خاصة وأن القوى القومية والتقدمية لعبت دوراً أساسياً فى هذه الثورات، وكانت شعاراتها الأساسية فى اطار المشروع النهضوي العربي كما هو الحال فى مصر عندما رفعت الجماهير شعار عيش حرية عدالة إجتماعية كرامة إنسانية ولم تكن شعارات الثوره في تونس واليمن وليبيا بعيدة عن ذلك فقد كانت العداله الاجتماعيه والديمقراطيه والاستقلال الوطني قاسما مشتركا أعظم بين هذه الثورات جميعا، إلا أن عجز قوى الثورة التى كان يغلب عليها طابع الحركات الإحتجاجية وغياب القوى السياسية عن تحريك الأحداث فى البداية حرم هذه القوى عن الوصول إلى السلطة وبالتالى وضع أهداف الثورة موضع التطبيق، وبدء مرحلة الإنتقال من النظام السلطوى المرفوض إلى نظام ديمقراطي، وتوفير مقومات التحول الديمقراطى، ولكن دخول الإسلاميين الساحة السياسية وتوجههم إلى التبكير بالإنتخابات البرلمانية فى مصر وتونس وليبيا للإستفادة من قوتهم الإنتخابية ، وحصولهم على الأكثرية، وما رافق ذلك من إدارة المجلس العسكرى للبلاد فى مصر ،وتولي وقوى وعناصر تنتمى للنظام القديم السلطة فى اليمن فى إطار تسوية سياسية لم تحسم الصراع لصالح الثورة . كل هذا أدى إلى إرتباك إدارة المرحلة الإنتقالية طوال عامى 2011، 2012 واحتدم الصراع الداخلى فى كل قطر من أقطار الربيع العربى ورغم أن القوى القومية والتقدمية كانت طرفاً رئيسياً فى هذا الصراع ناضلت من أجل إستكمال مسيرة الثورة وتحقيقها لأهدافها، إلا أن علاقات القوى السياسية والحزبية لم تكن فى صالحهم لعوامل عديدة من بينها تشرذمهم وتوزعهم على أحزاب متعددة داخل كل قطر، وافتقاد الجاذبية لشعاراتهم نتيجة لإخفاق نظم الحكم الوطنية فى تحقيق مصالح الشعوب رغم إستخدامها شعارات قومية وتقدمية .كان ما يجرى على أرض الواقع عكسها تماماً نتيجة للسياسات التى إتبعتها هذه النظم .
     نحاول فى هذه الورقة أن نقدم إطاراً للنقاش حول إحدى القضايا الهامة فى مسيرة الشعوب العربية فى الوقت الراهن وهى حالة التنمية المستقلة والعدالة الإجتماعية فى الوطن العربى عام 2012, وباعتبار أن التنمية المستقلة والعدالة الإجتماعية من الأركان الأساسية للمشروع النهضوى العربى فإن ما سوف نقدمه هنا من معلومات وأطروحات سيساعد المؤتمر القومى العربى على التعرف على إمكانيات الواقع فى الوطن العربى ومدى إقترابه من توفير الظروف المناسبة لوضع المشروع النهضوى موضع التنفيذ . وقد حرصت على أن تكون هذه الورقة إطاراً للمناقشة لأن الواقع العربى غنى بالأحداث والوقائع والبيانات التى لا يمكن الإحاطة بها فى حدود الحيز المحدود المتاح، كما أن الإكتفاء بعرض مؤشرات عامة سوف يمكن المشاركين من كل قطر عربى أن يعرضوا بقدر أكبر من التفصيل ومن واقع المعرفة الملموسة بأحوال بلدانهم ما يساعد على إثراء النقاش وتوفير حصيلة من المعلومات والبيانات والتقييم يستفاد منها فى تطوير الورقة بعد مناقشتها.
الإطار العام لتفاعلات الأحداث 2012
     إحتدم الصراع بين قوى الثورة والقوى المضادة للثورة خلال عام 2012 حول التوجهات الإقتصادية والإجتماعية لحكومات مابعد الثوره وكانت المواجهة بين المدافعين عن مصالح الطبقات الكادحة وأغلبية الشعب وبين المنحازين إلى الطبقة الحاكمة المالكة لوسائل الإنتاج . ولم يتوقف الصراع على القوى الداخلية فقط . بل كانت له أبعاد خارجية . ولا نستطيع أن نغفل أوضاع التبعية للرأسمالية العالمية التى سادت كل أرجاء الوطن العربى ، وما فرضته العولمة الرأسمالية ومؤسساتها الدولية ( صندوق النقد الدولى – البنك الدولى – منظمة التجارة العالمية ) من شروط على إقتصاديات وسياسات الدول العربية التى قبلت الإندماج فى السوق الرأسمالى العالمى بالشروط التى فرضتها قوى العولمة وكانت هذه الأوضاع والشروط أحد محددات الصراع الرئيسية حول مستقبل الثورات العربية ومستقبل الحركات الإحتجاجية فى دول كالمغرب والجزائر والأردن . وكان لها أكبر الأثر فى محدودية النتائج إلى تحققت فى التوجه نحو التنمية المستقلة والعدالة الإجتماعية على وجه التحديد .
     كانت هناك مواجهة بين توجهين أولهما يقبل بالإندماج فى السوق الرأسمالى العالمى والإعتماد على الخارج فى تحقيق التوازن للإقتصاد الوطنى وسد العجز فى الموازنة العامة للدولة والقبول بما يفرضه ذلك من تفاوتات فى الدخول وإستمرار أوضاع الفقر والتهميش فى المجتمع وإستمرار أوضاع البطالة والتضخم . وثانيهما يدعو  إلى الأخذ بسياسة التنمية المستقلة والإعتماد على الذات وما يمكن أن يحققه ذلك من الحد من الفقر والبطالة والتضخم والإعتماد على الخارج بما يساعد على تحقيق العدالة الإجتماعية . ولأنه لا يمكن الإحاطة بما جرى فى الوطن العربى من تفاعلات وصراعات وتطورات خلال عام 2012 فسوف نكتفى هنا بتناول ما جرى فى ستة دول: ثلاث منها تفجرت فيها الثورة هى مصر وتونس واليمن ،وثلاث أخرى كانت مهيأة للثورة لكن السياسات التى إتبعت فيها ساعدت على تهدئة الإحتجاجات الإجتماعية وإن كانت لا تمنع إحتمالات الثورة فيما بعد هى المغرب والجزائر والأردن .كل ماحققته هذه الاصلاحات هو تأحيل الثوره في هذهن البلدان.
     وقد تفاعلت الأحداث في هذه البلدان السته طوال عام 2012 فى إطار ثلاث عوامل أساسية : هى سياسات الليبرالية الجديدة التى أخذت بها هذه الدول الستة بدرجات متفاوتة، والتوجه نحو التنمية المستقلة والعدالة الإجتماعية التى دعت إليها القوى القومية والتقدمية وناضلت من أجلها وطرحتها بقوة أثناء الثورات وبعدها ،والحالة الفعلية لإقتصادات هذه البلدان والظواهر الأساسية التى حكمت النتائج المتحققة من الصراع حول طبيعة هذه الإقتصادات .
أولاً : توافق واشنطن وسياسات الليبرالية الجديدة
لم تكن الإقتصادات العربية عندما إنفجرت الثورات العربىيه بعيدة عن سياسات الليبرالية الجديدة الناجمة عن توافق واشنطن حيث قامت سياسات النظم السلطوية فى البلدان الستة التى سنتناولها فى هذه الورقة على التعامل مع صندوق النقد الدولى وقبلت بشروطه والإنضمام إلى منظمة التجارة العالمية وتنفيذ سياساتها مما خلق حالة تبعية فى هذه الدول للرأسماليةالعالميه في ظل ظاهرة العولمه شملت السياسة والإقتصاد معاً . ولم يعد القرار الوطنى فى هذه الدول مستقلاً أو متحرراً من ضغوط قوى ومؤسسات الرأسمالية العالمية .
     تدور إستراتيجية توافق واشنطن التى تعتبر أساس سياسة الليبرالية الجديدة التى تأخذ بها المؤسسات الرأسمالية الدولية والدول الرأسمالية الكبرى حول " ضرورة الدفع بأفكار إقتصاد السوق ، والتوسع فى عمليات الخصخصة مع التحرك نحو تحديد التجارة والأسواق المالية ، وضرورة تعزيز دور مؤسسات الأعمال الخاصة ، على أن يتم تقليص دور الحكومات فى النشاط الإقتصادى ليقتصر فقط على مجرد العمل على إستقرار الإقتصاد الكلى ، لذا فإن تلك الإستراتيجية ركزت على ثلاث عناصر رئيسية هى الإستقرار والخصخصة والتحرير ، والإستقرار المقصود هنا هو إستقرار الأسعار وخفض التضخم دون إبداء الإهتمام الواجب بإستقرار العمالة أو مقتضيات تحقيق العدالة الإجتماعية ، فالحكومات مدعوة إلى خصخصة كل شئ من مشروعات صناعية خدمية إلى مؤسسات الضمان الإجتماعى .
ويعتبر غياب البعد الإنسانى والإجتماعى من أبرز عيوب تلك الإستراتيجية التى تبنتها لفترات طويلة بعض مؤسسات التمويل الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولى ، والتى أدت فى العديد من الحالات إلى إثارة القلاقل السياسية والإجتماعية فى الدول التى أخذت بها ، وهو الأمر الذى دفع بالبعض إلى محاولة تطويرها ، خاصة بعد أن كشفت الأزمات المالية المتعاقبة سواء الأسيوية خلال النصف الثانى من تسعينيات القرن المنصرم ، أو العالمية التى تفجرت فى ديسمبر 2008 ، عن مخاطر تهميش دور الحكومات فى إدارة النشاط الإقتصادى ولم تكن معظم الدول العربية بعيدة عن هذه المخاطر والقلاقل ، بل أنها كانت أحد الأسباب الرئيسية للثورة المصرية 2011 .
     وقد دأب منظرو الليبرالية الجديدة وهى المنتج الأساسى لتوافق واشنطن على إطلاق تعميمات ذات طابع غير ديمقراطى وشمولى وغير مبرر علمياً ، كالقول مثلاً ( أن مراعاة البعد الإجتماعى وإحتجاجات الفقراء أصبحت عبئاً لا يطاق ) .
( وإن دولة الرفاه تهدد المستقبل ، وإنها كانت مجرد تنازل من جانب رأس المال إبان الحرب الباردة ، وأن ذلك التنازل لم يعد له الآن ما يبرره بعد إنتهاء هذه الحرب ) . أو القول مثلاً ( على كل فرد أن يتحمل قدراًمن التضحية حتى يمكن كسب المعركة فى حلبة المنافسة الدولية أو الإدعاء بأن شيئاً من اللامساواه بات أمراً لا مناص منه ) .
     وقد وجدت هذه الأفكار إنعكاسها الواضح فى السياسات الليبرالية التى تطبق الآن فى مختلف دول العالم دون مشاركة الناس أو موافقتهم على تلك السياسات .
شروط صندوق النقد الدولى :
     إلتزم صندوق النقد الدولى بإستراتيجية توافق واشنطن التى أستمد منها سياسات الليبرالية الجديدة ،وفرض شروطاً قاسية لإقراض الحكومات منها :
- التخلى عن دعم الأسعار وخصوصاً أسعار الطاقة .
- تقليص الأجور فى القطاع العام وعدد العاملين به .
- خصخصة القطاع العام .
- مراجعة أنظمة التقاعد والحماية الإجتماعية لتقليص الإنفاق العام وتخفيض عجز الموازنة العامة للدولة .
- تخفيض قيمة العملات الوطنية ( ما يسمى مرونة سعر الصرف ) الذى يعنى خلق شروط تضخم مرتفع .
- تعويض الفقراء بإعانات نقدية مباشرة .
- الغاء القيود المفروضه علي التجاره الخارجيه وتخفيض الجمارك لفتح سوق البلد أمام رؤوس الاموال والسلع الاجنبيه مما يؤدي الي ادماج السوق المحلي في السوق الرأسمالي العالمي
وكما أوضحنا من قبل فإن الدول العربية لم تكن خارج إطار هذه الشروط عندما إقترضت من الصندوق وتعتبر مصر نموذجاً لذلك عندما حصلت على قرض 1991 بدأت معه عملية خصخصة واسعة النطاق وتخفيض قيمة الجنيه المصرى وإلغاء القيود المفروضة على إستيراد السلع الأجنبية لحماية الصناعة الوطنية ، وإطلاق الحرية لآليات تسوق فى تحديد أسعار السلع والخدمات . وهناك أمثلة أخرى فى باقى الدول العربية لتطبيق شروط الصندوق كان من نتيجتها إزدياد معاناة الفقراء والعاملين بأجر وذوى الدخل الثابت وهم أغلبية الشعب ،وتصاعدت الإضرابات العمالية والفئوية والحركات الإحتجاجية ، وكان هذا كله مقدمة للثورات التى شهدتها مصر وتونس واليمن .
ثانياً : التنمية المستقلة / المعتمدة على الذات
     طرحت القوى القومية والتقدمية رؤية مناقضة لتوافق واشنطن تستهدف حماية مصالح الشعوب العربية على المدى الطويل وإخراجها من دائرة التبعية للرأسمالية المعولة . ولا تعتبر العناصر والمقومات الأساسية لهذه الرؤية جديدة تماماً فقد سبق أن طرحها جمال عبد الناصر مبكراً عام 1962 وتبنتها قوى قومية وتقدمية عديدة فى مختلف الأقطار العربية وطورتها فى مواجهة العولمه الرأسمالية . كما تبعتها مدرسة التبعية فقدمت رؤية متكاملة للتنمية المستقلة وكان أخر الأطروحات الرأسماليه في مواجهة هذه المواقف هو توافق واشنطن وسياسات الليبرالية الجديدة التى جسدتها شروط صندوق النقد الدولى لإقراض الدول النامية ومنها الدول العربية .
     فى هذا السياق يؤكد منظرو التنمية المستقلة المعتمدة على الذات أنها لا تعنى أن إنفتاح الإقتصاد الوطنى على الإقتصاد العالمى مرفوض من حيث المبدأ ، وإنما المقصود هو أن يكون مثل هذا الإنفتاح متدرجاً وإنتقالياً ومحسوباً فى كل الأحوال فى ضوء الشوط الذى قطعته كل دولة على طريق التقدم .
وذلك هو ما يمكن أن يهئ ظروفاً مواتية للتنمية فى دول الجنوب ، ويقيها من إحتمالات الخراب العاجل إذا ما إندفعت على طريق التحرر العمومى المتسرع .
    يركز نمذج التنمية المستقلة المعتمدة على الذات على عدد من المبادئ التى يسعى نموذج الليبرالية الجديدة إلى محوها مثل الإنتقائية ، والتمييز ، والتدرج فى فتح السوق الوطنى بالتوازى مع التقدم فى بناء القدرات الإنتاجية والعلمية والمزايا التنافسية .
     بعبارةأخرى ، من الواجب أن تدعم السياسات التجارية والصناعية عدداً من القطاعات أو الصناعات المنتقاه بعناية ، إما لأنها مولدة لفرص عمل وفيرة ، وإما لأنها توسع القاعدة التعددية للإقتصاد ، أو لأنها تسهم فى إشباع الحاجات الأساسية للغالبية الفقيرة من السكان ، وإما لأنها ذات أهمية إستراتيجية فى بناء قطاع صناعى قوى يمكن أن يشكل قاعدة متينة للنمو الإقتصادى وهناك إتفاق عام بين أنصار نموذج التنمية المستقلة المعتمدة على الذات أنه بدون تولى القوى صاحبة المصلحة السلطة السياسية فإنه لا يمكن السير فى هذا الطريق . من المهم هنا أن يكون فى السلطة تحالف إجتماعى يعبر عن مصالح العمال والفلاحين والحرفيين والطبقة الوسطى عموماً وقطاع من الرأسمالية المصرية المنتجة تتعارض مصالحه مع سياسات الليبرالية الجديدة . ويقوم نموذج التنمية المستقلة المعتمدة على الذات على عدة مقومات أساسية هى:
1. إحداث زيادة كبيرة فى معدل الإدخار المحلى مع إستمرار الإستفادة من الإستثمار الأجنبى .
2. دور أساسى للدولة والتخطيط يحقق :
- السيطرة على الفائض الإقتصادى ومركزته .
- ضبط الإستهلاك والإستيراد لرفع معدل الإدخار المحلى .
- الإشتراك المباشر للدولة فى مجال الإنتاج والإستثمار.
- النهوض بالقدرات العلميةوالتكنولوجية الوطنية وتكامل الأنشطة المرتبطة بها.
3. المشاركة الديمقراطية والتوزيع العادل للثورة والدخل كشرط للإعتماد على الذات وإطراد التنمية.
4. إنضباط علاقات الإقتصاد الوطنى بالخارج.
5. التعاون بين دول الجنوب على شتى الجبهات لتعظيم الفائدة من تكامل أنشطتها الإقتصادية والإنتاجية ؟
ثالثاً : التنمية المستقلة والعدالة الإجتماعية
     لا يقتصر الهدف من تطبيق نموذج التنمية المستقلة على الخروج من دائرة التبعية وإستكمال كافة مقومات الإستقلال الوطنى سياسياً وإقتصادياً ، بل هناك أيضاً إستهداف تحقيق العدالة الإجتماعية لضمان رفع مستوى المعيشة لأغلبية الشعب الكادحة وتوفير سبل التقدم لها وضمان إستفادتها من الخدمات الأساسية للدولة بما يتناسب مع قدراتها . وإذا إستعرضنا ما يجرى على الساحة السياسية فى كل الأقطار العربية سنـ2012ـة فإننا نلاحظ أن كل القوى السياسية الليبرالية والإسلامية والإشتراكية والقومية تتبنى مفهوم العدالة الإجتماعية . ومن المهم أن تميز القوى القومية والتقدمية نفسها فيما تطرحه من إجراءات لتحقيق العدالة الإجتماعية عن القوى الأخرى الليبرالية والإسلامية مما يتطلب تحويل العدالة الإجتماعية من شعار مبهم إلى مفهوم مدقق محدد المعالم واضح الأبعاد .
مفهوم العدالة الإجتماعية :
     يمكن أن ننطلق فى تناولنا لهذه المسألة من مفهوم موسع ومركب للعدالة الإجتماعية يطرحه المفكر الإقتصادى المصرى الدكتور إبراهيم العيسوى الذى يرى أن هذا المفهوم يمكن أن تشتق منه مفاهيم فرعية متنوعة ومجموعات ضيقة أو واسعة من السياسات والإجراءات العملية ، وذلك وفق التوجهات الإقتصادية والإنحيازات الإجتماعية للأحزاب والقوى السياسية المختلفة .
     والعدالة الإجتماعية من هذا المنظور هى ( تلك الحالة التى ينتفى فيها الظلم والإستغلال والقهر والحرمان من الثروة أو السلطة أو من كليهما، والتى يغيب فيها الفقر والتهميش والإقصاء الإجتماعى، وتنعدم فيها الفروق غير المقبولة إجتماعياً بين الأفراد والجماعات والأقاليم داخل الدولة ، والتى يتمتع فيها الجميع بحقوق إقتصادية وإجتماعية وسياسية وبيئية متساوية وحريات متكافئة، ولا تجور فيها الأجيال الحاضرة على حقوق الأجيال المقبلة ، والتى يعم فيها الشعور بالإنصاف والتكافل والتضامن والمشاركة الإجتماعية ، والتى يتاح فيها لأفراد المجتمع فرص متكافئة لتنمية قدراتهم وملكاتهم لإطلاق طاقاتهم من مكامنها ، ولحسن توظيف هذه القدرات والطاقات بما يوفر لهؤلاء الأفراد فرص الحراك الإجتماعى الصاعد ، وبما يساعد المجتمع على النماء والتقدم المستدام ، وهى أيضاً الحالة التى لا يتعرض فيها المجتمع للإستغلال الإقتصادى وغيره من آثار التبعية لمجتمع أو مجتمعات أخرى ، وتتمتع بالإستقلال والسيطرة الوطنية على القرارات الإقتصادية والإجتماعية والسياسة ) .
     فى هذا المفهوم يربط الدكتور إبراهيم العيسوى بين جوانب إقتصادية وإجتماعية وثقافية وسياسية ، فهو يرفض المساواة المطلقة ويؤكد على أهمية مراعاة الفروق الفردية ، كما يؤكد أن فكرة العدالة الإجتماعية لا تنفصل عن فكرة حقوق الإنسان وخاصة الحقوق الإقتصادية والإجتماعية . كما يرى أن العدالة الإجتماعية هى الطريق نحو التنمية الشاملة والمستدامة .
     والآن وبعد هذا العرض لمفهوم التنمية المستقلة المعتمدة على الذات ومفهوم العدالة الإجتماعية سوف تتكشف لنا الأبعاد الحقيقية لما جرى من صراعات على إمتداد عام 2012 فى كثير من أقطار الوطن العربى سواء تلك التى شهدت الثورات أو التى مارس الحكام فيها سياسات تؤجل الثورة . وسوف نكتشف أن الصراعات التى شهدها الوطن العربى عام 2012 تدور أساساً حول مصالح الناس وخاصة الطبقات الكادحة وحول تحرير الأقطار العربية من حالة التبعية ،ومن أسرالتخلف، ومن أثار الاستبداد والسلطويه ،وهو ما سنعرض له بإيجاز فى النوعين من الدول موضع الدراسة .وسوف نكتشف من خلال هذا العرض أن المشروع النهضوي العربي في جانبيه الاقتصادي والاجتماعي لاتتوفر الشروط الكافيه لوضعه موضع التنفيذ .وأن عام 2012 شهد تطورات سلبيه باعدت كثيرا امكانية تحقق أهداف النضال القومي التقدمي من أجل التنميه المستقله والعداله الاجتماعيه .ومع هذا فان النضال من أجل سياسات تفتح الباب أمام امكانية تقريبه عمليا أمر ممكن وضروري وسوف نطرح في نهاية الورقه مثالا له
أبعاد الصراع حول المستقبل 2012

     أسقطت الثورات الشعبية فى مصر وتونس وليبيا واليمن رؤوس النظم الحاكمة ولكن هياكل الدولة بقيت كما هى ، تغير أشخاص الحكام دون أن تتغير طبيعة الدولة أو التحالف الطبقى الحاكم ، وواصلت حكومات ما بعد الثورة نفس السياسات الإقتصادية المتبعة فى ظل نظم الحكم التى ثارت ضدها الشعوب ، سياسات نابعة من الليبرالية الجديدة وشروط صندوق النقد الدولى ، وبالطبع فإن حكومات المغرب والجزائر والأردن التى تحاول تنفيذ إصلاحات سياسية وإجتماعية وتزيد الأنفاق الإجتماعى وتوفر فرص عمل جديدة لتجنب الثورة فى بلادها ما زالت تنهج نفس السياسات الإقتصادية الملتزمة بشروط صندوق النقد الدولى . ومما له دلالة هامة أن خمس دول من هذه الدول الستة بما فيها دول الثورات العربية الثلاثة تسعى أو على وشك الحصول على قرض من صندوق النقد الدولى مقابل ما يسميه الصندوق برنامج للاصلاح الاقتصادي  وهو تنفيذ للشروط التى أشرنا إليها سابقاً . وسواء كان الإسلاميون فى الحكم كما هو الحال فى مصر وتونس والمغرب أو كانوا ضمن تحالف حاكم كما هو فى دول أخرى فإن سياساتهم الإقتصادية لا تختلف فى كثير أو قليل مع سياسات النظم التى ثارت ضدها الشعوب ، ومن غير المهم هنا ما إذا كانت الأنظمة السياسية الجديدة التى تحل محل الأنظمة التى ثارت ضدها هى أنظمة إسلامية أم علمانية أم ليبرالية أم مدنية ، بل المهم هو قدرتها على إتباع برنامج سياسى إقتصادى ينحى جانباً بلدانها عن السياسات النيو ليبرالية . هذا بالطبع ، مع الإفتراض بأن مقرطة النظام السياسى هى أمر مفروغ منه كشرط لقبول الشعوب لإستمرارهذه الأنظمة أو الحكومات الناشئة، لكن محتوى النظام السياسى من حيث قدرته على صون الكرامة هو ما سيكون الفيصل فى الحكم على النظام .
     لقد قامت الثورات العربية سنـ2011ـة ليس فقط ضد أنظمة الحكم المتسلطة فيها ولكن أيضاً ضد النظام العالمى الجديد الذى بلورته ظاهرة العولمة الرأسمالية وما ينتج عنها من سياسات للإستغلال المكثف للشعوب دون أى مراعاة لمعاناتها . ويطرح ذلك تحدياً حقيقياً أمام حكومات ما بعد الثورات وهو المتمثل فى إقامة نظام إقتصادى جديد يعطى الأولوية لمجهودات التنمية ، ويراعى العدالة الإجتماعية ، ويكفل تأمين صحى وإجتماعى للمواطنين بما يضمن لهم كرامة إنسانية تليق بهم ، ويتطلب هذا وجود تخطيط جيد من جانب الحكومة لتحديد أولوية المشاريع التى تقوم بتنفيذها مع مراعاة دورها وواجبها الإجتماعى .
     وقد شهد عام 2012 صراعات سياسية حادة وتحركات جماهيرية واسعة وجهود بحثية متنوعة تهدف كلها إلى تحريك المجتمع نحو أوضاع جديدة وفق سياسات جديدة تحقق أهداف الثورة . يكفينا هنا أن نشير إلى بعض مؤشرات الإقتصاد الكلى فى هذه الدول الستة لكى يتأكد لنا أن أحوال الناس لم تتغير بعد الثورات أو بعد محاولات الإصلاح لتجنب الثورات ، وأن معاناة الناس من التضخم والفقر والتهميش وسوء توزيع الدخل القومى ، والتفاوت بين الطبقات بشكل كبير استدعت كل هذه الصراعات السياسية والتحركات الجماهيرية والجهود البحثية . ففى كثير من الأحيان إزدادت أحوال الناس سوءاً بعد الثورات ورغم جهود الإصلاح فى الدول التى تحاول تجنب الثورة فيها .
مؤشرات االإقتصاد الكلى فى الدول الستة
1. مصر :- إزدادت معاناة الناس وتدهورت أحوالهم المعيشية خلال عام 2012 حيث لعب الإنفلات الأمنى والأزمة الإقتصادية دوراً أساسياً فى ذلك :
- إنخفض إحتياطى النقد الأجنبى من 35 مليار دولار سنـ2010ـة  إلى 25 مليار دولار سنـ2011ـة إلى 13مليار دولار سنـ2010ـة . وهو لا يكفى لتغطية إحتياجات مصر أكثر من بضعة شهور . وذلك رغم ما حصلت عليه مصر من ودائع وقروض ومساعدات من قطر والسعودية والكويت وليبيا وتركيا والتى تزيد قيمتها على 14 مليار دولار . وقد ساهم فى تحقيق هذا الإنخفاض تراجع أعداد السياح وتحويلات المصريين العاملين بالخارج .
- تزايد عجز الموازنة العامة للدولة إلى نحو 134 بليار جنيه سنـ2011 ، 2012ــة وفى مشروع موازنة سنـ2013 ، 2014ــة إلى 185 مليار جنيه بنسبة تتجاوز 10% وذلك نتيجة لإنخفاض موارد الدولة .
- إرتفعت معدلات البطالة لأسباب عديدة منها تراجع معدلات الإستثمار ، توقف عدد من المصانع عن الإنتاج ، عودة المصريين العاملين فى ليبيا . وكانت زيادة معدلات البطالة من 9% تقريباً سنـ2010ــة إلى12% سنـ2012ــة .
- إنخفض الإستثمار المصرى والأجنبى .
- إنخفض معدل النمو من 7% تقريباً سنـ2010ـة إلى حوالى 2,5% سنـ2012ـة .
- زادت نسبة الفقراء إلى إجمالى عدد السكان حسب خط الفقر الأعلى من 41,7% سنـ2004 ، 2005ـة إلى 48,20% سنـ2010 ، 2011ـة .
- يبلغ نصيب أغنى 20% من السكان حوالى 40% من إجمالى الدخل القومى ، ونصيب أفقر 20% من السكان حوالى 10% من إجمالى الدخل القومى وما تزال هذه المعدلات ثابتة لم يطرأ عليها تغير يذكر منذ عام 2004 .
2. تونس : لم يطرأ تغير يذكر على مؤشرات الإقتصاد الكلى حيث بلغت معدلات التضخم 5% ونسبة النمو 2,7% سنوياً ، والدين 34% من إجمالى الناتج المحلى .
وتسعى الحكومة التونسية للحصول على قرض من صندوق النقد الدولى وفق الشروط المعروفة بما يعنى إستمرار السياسات الإقتصادية طبقاً للأجندة الليبرالية الجديدة .
3. اليمن : يدخل الإقتصاد اليمنى عام 2013 مثقلاً بهموم وأعباء إقتصادية وصعوبات تنموية كبيرة جداً ، وهى ذات الهموم التى يتجرع مرارتها طوال عام 2012 .
كان التمكين قد أوقف عام 2012 نزيف التدهور الحاصل فى الخدمات الرئيسية خصوصاً المشتقات البترولية والكهرباء والغاز ، كما نجح نسبياً فى تأمين حاجات السكان ، رغم إستمرار تحديات الأمن وتخريب أنابيب النفط والكهرباء ، وزيادة تكلفة مواجهة الإرهاب ، مما إنعكس بالسلب على حركة الإستثمار الخارجى ، وضاعف من معدلات الفقر والبطالة رغم الزيادة الطفيفة فى نمو الناتج المحلى الإجمالى وتراجع العجز فى الموازنة ، وإنخفاض معدل تضخم أسعار الإستهلاك ولكن تبقى المؤشرات الكلية كما هى حيث يتوقع معدل نمو 3,5 % سنويا% فى ظل تضخم بنسبة 7% ، مع نمو السكان بنسبة 3% وإرتفاع معدلات البطالة والفقر بين الشباب .
4. المغرب : يبقى الإصلاح الفعلى فى المغرب أملاً أكثر منه حقيقة إذ أن الملك رغم الإصلاحات الدستورية ما يزال يتحكم بزمام السلطة . وتطرح الحكومة الجديدة بقيادة الإسلاميين سياسات تهتم بمكافحة الفساد وإدخال درجة عالية من المبادئ الأخلاقية فى الحياة العامة ، وإصلاح نظام الدعم الذى سيلتهم نسبة عالية من الموازنة العامة للدولة ، ويتسبب بتشوهات إقتصادية كبيرة من دون القدرة على مساعدة الفقراء . وهناك برنامج مساعدة طبية يستفيد منه حوالى 8 ملايين شخص من ذوى الدخل المنخفض ، 4 ملايين يعيشون فى فقر مدقع ، ولكن هذه الجهود هامشية بالمقارنة مع المشكلة الحقيقية التى تواجهها البلاد المتمثلة فى الفساد والتفاوت فى الدخل . يعتبر الملك من أكبر المستثمرين ويسيطر على قطاعات هامة فى الإقتصاد ، ويستفيد أغنى 20% من السكان بما يقارب 70% من الدعم . يؤكد تقرير البنك الدولى عن عام 2012 سوء الأحوال الإقتصادية والإجتماعية للمغرب حيث يواجه ركود الالطلب الخارجى ، وإرتفاع أسعار السلع الأولية المستوردة ، وإنخفاض الإنتاج الزراعي مع الجمود الشديد للإقتصاد المحلى مما يكشف عن هشاشة الإقتصاد المغربى فى عام 2012 . خاصة وأن معدل النمو السنوى لم يزد عن 2,7 % من الناتج المحلى الإجمالى مقارنة بنسبة 5% سنـ2011ـة .
5. الأردن : يواجه الأردن وضعاً صعباً عام 2012 بسبب إستمرار حالة التراجع العالمى والإقليمى لظروف الإقتصاد العالمى ، والإضطرابات فى الإقليم ، وما يلقيه الملف السورى من آثار على إقتصاد المملكة ، بالإضافة إلى أن معدل النمو أعلى بقليل من معدل نمو السكان البالغ 2,2% مع إستمرار معدلات البطالة والفقر بنفس مستواها نتيجة غياب السياسات الحكومية . يتوقع أن لا تحقق الأردن معدلات جذب إستثمارية جيدة عام 2012 نتيجة لتخفيض التصنيف الإئتمانى للأردن وتأخر الإصلاح السياسى والإقتصادى وبشكل عام فإن تقرير صندوق النقد الولى ( آفاق الإقتصاد العالمى ) يؤكد حدوث هبوط حاد فى النشاط الإستثمارى والسياحى خاصة فى مصر والأردن وسوريا ولبنان وتونس .
6. الجزائر : هناك مشكلة أساسية تواجه الجزائر حيث ما يزال الإقتصاد الجزائرى قائماً على الربع بعد خمسين سنة من الإستقلال تشوبه كثير من المنغصات فى مقدمتها الرشوة والبيروقراطية والبطالة وغيرها .
     وقد وفرت عائدات البترول ثراء ً مالياً سمح بإنفاق عام لم يسبق له مثيل منذ الإستقلال السياسى . فقد إرتفع من 55 مليار دولار سنـ2004ـة إلى 286 مليار دولار سنـ2011ـة . ومع ذلك فإن النسبة الرسمية للنمو خارج قطاع البترول لا تزيد عن 5 أو 6% من الناتج المحلى الإجمالى ، الأمر الذى يجعل المؤسسات الجزائرية غير قادرة على المنافسة أو الإبتكار . ويبلغ القطاع الصناعى أقل من 5% من الناتج المحلى الإجمالى . وينفق 70% من الأسر دخلهم على الخضروات والفواكه والأسماك واللحوم البيضاء والحمراء والنسيج والجلود .
     يساعد الإقتصاد الريعى الجزائرى على دعم دولة اللا قانون والفساد عن طريق التهرب الضريبى . وقد إرتفع معدل التضخم من 4,5% سنـ2011ـة إلى 9% سنـ2012ـة . وتحتاج الجزائر إلى تنويع أكثر فى إقتصادها بالإضافة إلى تعزيز فرص العمل ، وخاصة فى أوساط الشباب الذين يفوق معدل البطالة بينهم 23% هناك خنق للشركات والمهارات بسبب الإعتماد أساساً على الربع الذى يسهل الإستيراد على حساب الإنتاج المحلى .
ماذا بعد؟
لابديل عن سياسات إقتصادية وإجتماعية جديدة
     يمكن إعتبار مصر نموذجاً لباقى البلاد العربية التى تناولناها هنا من حيث إحتدام الصراع السياسى ووإتساع التحركات الجماهيرية والإحتجاجية وتنوع الجهود البحثية ، تهدف كلها إلى فتح الطريق أمام سياسات بديله لسياسات الليبرالية الجديدة التى ما تزال حكومات ما بعد الثورة أسيرة لها .
     تشكلت فى مصر جبهة الإنقاذ الوطنى التى تضم 12 حزباً سياسياً وأكثر من إتحاد لنقابات العمال المستقله  واتحادات الفلاحين وحركات إحتجاجية ومنظمات شعبية إلتقت جميعاً فى مواجهة إحتمالات عودة الإستبداد من خلال الإعلان الدستورى الإستبدادي فى 21 نوفمبر 2012 والتعجيل بإصدار دستور غير توافقى يؤسس لقيام دولة أقرب إلى دولة ولاية الفقيه وتجاهل الإتفاقيات الدولية لحقوق الإنسانية التى وقعت عليها الحكومات المصرية وصدقت عليها المجالس التشريعية فى عهود مختلفة . دعت جبهة الإنقاذ إلى مؤتمرات جماهيرية وأصدرت بيانات تحدد موقفها من الحكومة القائمة وتطالب كشرط للإشتراك فى الإنتخابات النيابية تشكيل حكومة محايدة وتعيين نائب عام مستقل وتوفير ضمانات نزاهة الإنتخابات من خلال القانون . كما شهدت البلاد مئات الإضرابات العمالية والمهنية شارك فيها ملايين المواطنين إحتجاجاً على السياسات الإقتصادية والمطالبة بإجراءات تحقق الإستقلال الإقتصادى والعدالة الإجتماعية . وعقدت حركة التيار الشعبى بقيادة المرشح الرئاسي والسياسي القومي حمدين صباحي مؤتمراً بعنوان ( إنقاذ الإقتصاد المصرى ) شارك فيه أكثر من ثلاثين من كبار المفكرين والباحثين الإقتصاديين والإجتماعيين ، قدموا دراسات متعمقة فى أحوال الإقتصاد المصرى وتوزيع الدخل القومى وإنتهى المؤتمر إلى توصيات نابعة من إقتناع منظمى المؤتمر والباحثين المشاركين فيه أن سياسات التنمية المستقلة المعتمدة على الذات والعدالة الإجتماعية هى أساس الخروج من الأزمة الراهنة ، كما صدرت دراسه لمجموعه من الاإقتصاديين بتكليف من الدكتور محمد البرادعى منسق جبهة الإنقاذ الوطنى . كما نظم منتدى البدائل العربى للدراسات ندوة فى أغسطس 2012 ( ثورات الكرامة العربية – رؤى لما بعد النيو ليبرالية ) شارك فيها باحثون مصريون وعرب وأجانب . هذا فضلاً عن مئات المقالات فى الصحف والدوريات التى دارت كلها حول كيفية إخراج البلاد من المأزق الإقتصادى ،وغنى عن القول أنه لا مجال هنا لطرح سياسة التنمية المستقلة المعتمدة على الذات أو العدالة الإجتماعية فى برنامج متكامل لأن الظروف القائمة فى بلاد الثورات العربية والبلاد التى تتجنب هذه الثورات بسياسات إصلاحية لا تمكن من وضع هذا البرنامج موضع التنفيذ . من هنا أهمية ما طرحته هذه اللقاءات والمؤتمرات والجهود البحثية من إجراءات ضرورية على المدى القصير تتجاوز سياسات النيوليبرالية وتمهد الطريق نحو تولى تحالف طبقى جديد للسلطة يكون مدعوما من القوى القومية والتقدمية ومن الطبقات الكادحة وذوى الدخل الثابت ، بحيث تفتح هذا الإجراءات الباب أمام تفكيك روابط التبعية للرأسمالية المعولمة ، وزيادة فرص بناء إقتصاد وطنى مستقل معتمد على الذات ، وإتخاذ إجراءات تعالج ما تعانيه هذه الشعوب من إفقار وبطالة وتفاوت هائل فى الدخل ، وعدم القدرة على الحصول على خدمات أساسية جيدة ... الخ .
     وفيما يلى نعرض الإجراءات المقترح أن تناضل من أجلها قوى الثورة والتى تنطلق من مفهوم التنمية المستقلة المعتمدة على الذات والعدالة الإجتماعية ، ولكنها لن تكون كافية على المدى القصير لوضع هذا المفهوم موضع التطبيق كأساس لسياسات الحكم .
أهم التوصيات
أولاً : إستعادة دور الدولة فى المدى القصير على المستوى الإقتصادى .
ساءت الأحوال الإقتصادية بعد الثورة وذلك لعدم وجود رؤية بديلة للسياسات الإقتصادية والإعتماد على موارد الدخل الريعية مثل السياحة ، قناة السويس ، البترول ، وتحويلات العمالة فى الخارج .. وفى وقت القلاقل وإنعدام الأمن تتأثر هذه الموارد بشدة مما كان من نتيجته إنخفاض حاد فى إحتياطى العملات الأجنبية وإنخفاض مستوى النمو الإقتصادى إلى أدنى المعدلات وضعف التشغيل مما أدى بدوره إلى إحتدام الإحتجاجات العمالية والمطالب الفئوية ( كما يسميها البعض ) وتحاول الحكومة علاج ذلك بالإستدانة من الخارج ومن صندوق النقد الدولى .
     إن الإعتماد على الإقتراض من صندوق النقد الدولى سيفرض بدوره تبنى سياسات التكيف الهيكلى التى تؤدى بدورها إلى كساد إقتصادى عام . هذا الكساد مع إرتفاع نسب التضخم سيتسبب فى هذه الحالة فى زيادة معدلات وإنخفاض الدخول الحقيقية .. ومن أهم عواقب هذه السياسات إرتفاع نسب الإحتجاجات وإنهيار الوضع الأمنى بما من شأنه الدخول فى دوامة من الإنهيارات الإقتصادية المتتابعة وعجز الحكومة عن توفير الخدمات الأساسية من مياه شرب وكهرباء .. الخ .
ثانيا: الحلول البديلة فى المدى القصير
1. التخلى عن سياسات الإقتراض من صندوق النقد الدولى .
2. تحديد الأجر الأدنى والأقصى .. مما قد يولد وفورات كبيرة فى الإنفاق الحكومى .
3. إستعادة الدولة دورها فى التشغيل من خلال الإستثمارات فى قطاعات البنية التحتية حتى لو أدى هذا إلى التمويل بالعجز فى المدى القصير .
4. تبنى سياسات ضريبية متصاعدة تصل فى أقصاها إلى 48% ( وهى نسبة عالمية موجودة فى أعتى الدول الرأسمالية ) وذلك لزيادة دخل الحكومة .
5. فرض ضرائب جمركية عالية على السلع الإستهلاكية الإستفزازية وعلى السلع المنافسة بشدة للصناعات المحلية الأساسية.
6. تفعيل دور مؤسسات حماية المستهلك ومحاربة الإحتكارات الإقتصادية التى أدت إلى إرتفاع الأسعار بصورة جنونية .
7. تبنى سياسات الديمقراطية الإجتماعية وذلك بإعادة توزيع الدخل وضمان الخدمات الأساسية للفقراء وتؤدى تلك السياسات إلى رفع الطلب المحلى على الصناعات والخدمات المحلية بالإضافة إلى تقليل نسب الفقر المتزايدة فى مصر .
ثالثاً : العدالة الإجتماعية
هناك توافق على الأهمية القصوى لتحقيق العدالة الإجتماعية بين المواطنين وإنهاء أى تمييز ضد المرأة فى سوق العمل أو التعليم ، وتوافق أيضاً على الأهمية القصوى للعدالة الجيلية أو العدالة بين الأجيال فى إستغلال الثروات الطبيعيةوالمواد البينية. وتوافق على أن تحقيق العدالة الإجتماعية يتم من خلال عدة أمور :
1. نظام عادل للأجور يعطى حداً أدنى للأجر يكفى لحياة كريمة ويبدأ من 1500 جنيه شهرياً ، ويضع حداً أقصى للأجر للعاملين لدى الدولة يتراوح بين 15 ، 20 مثل الحد الأدنى للأجر ، ويجعل كل الدخول الإضافية لا تتجاوز الأجر الأساسى ، مع التأكيد على ربط الحد الأدنى للأجر بالحد الأدنى للمعاش وترتيب رد أموال التأمينات والفوائد الضائعة على صناديق التأمين لضمان معاشات محترمة لمن أفنوا عمرهم فى خدمة بلادهم . ويتم تمويل إصلاح نظام الأجور بلا تضخم من خلال ما يتم توفيره من وضع حد أقصى للأجر وإنهاء فوضى المستشارين والمد فوق السن ، وإستخدام جزء من الوفر الذى سيتحقق من إصلاح نظام الدعم ، وجزء من الزيادة فى الإيرادات العامة التى ستتحقق من إصلاح نظام الضرائب ونظم تسعير صادرات الغاز .
2. بناء نظام عادل للضرائب يساهم فى إعادة توزيع الدخل بصورة عادلة ، من خلال وضع حد للإعفاء الضريبى يعفى الفقراء ومحدودى الدخل من دفع الضرائب ، ويوقف فى الوقت نفسه توسع حكومة الإخوان فى فرض الضرائب الأكثر ظلماً وهى الضرائب غير المباشرة على السلع والخدمات والتى تساوى بين الفقراء والأغنياء عند شراء تلك السلع والخدمات . ويجب أيضاً أن يفرض النظام المستهدف ضرائب عادلة على المكاسب الرأسمالية وعلى الثورات الناضبة، ويضع نظاماً متعدد الشرائح وتصاعدى على غرار النظم الموجودة فى بلدان لديها معدلات إستثمار محلية مرتفعة ، وتجذب إستثمارات أجنبية هائلة مثل تايلاند والصين وتركيا .
3. إعادة هيكلة الدعم الذى ينبغى أن يوجه للفقراء ومحدودى الدخل عن طريق مضاعفة معاشات الضمان للفئات الأضعف وإبقاء دعم الخبز والسلع التموينية والطاقة لهم وإصلاحه لمنع أى تهريب أو إستيلاء عليه من غير المستحقين ، وإزالة دعم الطاقة عن الأغنياء بالذات فى الصناعات التى تبيع إنتاجها بأعلى من الأسعار العالمية وتستحوذ على الغالبية الساحقة من مخصصات الدعم فى صورة دعم الطاقة والصادرات . وفى هذا المجال نرفض الإجراءات الأخيرة للنظام الإخوانى برفع أسعار أنابيب البوتاجاز إلى الضعف وتوالت بعده إرتفاعات فى أسعار عدد كبير من السلع.
4. إصلاح الإنفاق العام على الصحة لتحسين أجور العاملين فى هذا القطاع وتحسين توسيع المستشفيات العامة وتجهيزاتها ورفع مستوى الخدمة الصحية المجانية للفقراء برفع هذا الإنفاق العام على الصحة من مستواه المتدنى الحالى الذى لا يزيد عن 1,6% من الناتج المحلى الإجمالى ، إلى المعدلات الإقليمية والعالمية التى تتراوح بين 3% من الناتج فى دول المنطقة ، ونحو 5,8% من الناتج العالمى .
5. إصلاح الإنفاق العام على التعليم برفعه إلى 5,2% من الناتج المحلى الإجمالى على غرار النسبة المخصصة له فى دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، بما سيمكن مصر من إعطاء أجور محترمة للعاملين فى هذا القطاع ، ومنع الدروس الخصوصية ، وتطوير المدارس والجامعات وتحسين التجهيزات والمعامل فى كل قطاعات التعليم . وإصلاح الإنفاق على البحث والتطوير العلميين بمضاعفة الحصة المخصصة له من الإنفاق العام وربط الإنجازات العلمية بقطاعات الإنتاج المختلفة لرفع الإنتاج وتحسين الدخل .
6. منع ومكافحة الفساد وبناء نظام محكم للنزاهة من خلال أجهزة رقابية مستقلة تماماً عن السلطة التنفيذية بما فى ذلك وقف إجراءات النظام الحالى لتحجيم دور الجهاز المركزى للمحاسبات فى مراقبة المال العام وعدم إستثناء أى هيئة عامة بالبلاد .. وذلك لوقف ما هو جارى منذ أيام مبارك وحتى الآن من تحويل أموال عامة مستحقة لعموم المواطنين وغالبيتهم الساحقة من الفقراء والطبقة الوسطى إلى جيوب حفنة من الفاسدين ، ونظام عادل للأجور يحصد الموظفين من طلب الرشوة ، وقوانين صادمة ورادعة لمعاقبة المفسدين .
 
المصادر
1. د. إبـراهيـم العيسوى ، كتاب الإقتصاد المصرى فى ثلاثين عاماً ، المكتبة الأكاديمية بالقاهرة 2007 .
2. د. جودة عبد الخالق ، التثبيت والتكيف فى مصر ، إصلاح أم إهدار للتصنيع ، المجلس الأعلى للثقافة ، المشروع القومى للترجمة القاهرة 2004 .
3. هانس – بيتر مان ، هارالد شومان ، فخ العولمة – الإعتداء على الديمقراطية والرفاهية – سلسلة عالم المعرفة ، العدد 238 ، الكويت أكتوبر 1998 .
4. د. مضرقسيس وآخرون ، ثورات الكرامة العربية ، رؤى لما بعد النيوليبرالية ، منتدى البدائل العربى للدراسات . القاهرة 2012 .
5. التيار الشعبى المصرى ، مؤتمر إنقاذ الإقتصاد – نحو برنامج بديل ، إبريل 2013 .
6. د. إبراهيم العيسوى التنمية المستقلة ، كراسة تثقيفية ، حزب التحالف الشعبى الإشتراكى ، القاهرة يونيو 2012 .
7. د. إبراهيم العيسوى ، العدالة الإجتماعية ، كراسة تثقيفية ، حزب التحالف الشعبى الإشتراكى ، القاهرة . أكتوبر 2012 .
8. مارينا أوتاواى ، مؤسسة كارنيجى ، تقرير عن المغرب 2013  .