www.arabnc.org
   
الصفحة الرئيسة
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
المشاركون في الدورة ا
المشاركون في الدورة ا
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول المشاركين 30
جدول المشاركين 31
الأول 1990
الثاني 1991
الثالث 1992
الرابع 1993
الخامس 1994
السادس 1996
السابع 1997
الثامن 1998
التاسع 1999
العاشر 2000
الحادي عشر 2001
الثاني عشر 2002
الدورة الطارئة 2002
الرابع عشر 2003
الخامس عشر 2004
السادس عشر 2005
السابع عشر 2006
الثامن عشر 2007
التاسع عشر 2008
العشرون 2009
الواحد والعشرون 2010
الثاني والعشرون 2011
الثالث والعشرين 2012
الرابع والعشرون 2013
الخامس والعشرون 2014
السادس والعشرون 2015
السابع والعشرون 2016
الثامن والعشرون 2017
التاسع والعشرون 2018
الثلاثون 2019
الواحد والثلاثون 2022
القائمة البريدية
بحث
تصغير الخط تكبير الخط 
التجدد الحضاري: تحديات وقضايا 23 ((التجدد الحضاري: تحديات وقضايا 23))

المؤتمر القومي العربي
ARAB NATIONAL CONFERENCE



 

التجدد الحضاري: تحدّيات وقضايا**

د. زياد حافظ *


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* عضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي، أمين عام المنتدى القومي العربي
** لا تعبر هذه الورقة بالضرورة عن رأي الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي.
*** لا يجوز نشر هذه الورقة كلاً أو جزءاً إلا بموافقة تحريرية من إدارة المؤتمر.


التجدد الحضاري: تحدّيات وقضايا

د. زياد الحافظ

شهدت الأمة العربية خلال السنة والنصف الماضية (وما زالت) حراكا شعبيا في عدد من الأقطار العربية أفرزت سيلا من التحليلات والمواقف المبنية على خلفية مفاهيم أُعتبرت من المسلّمات لم تخضع لمراجعة أو نقاش. فعلى سبيل المثال فاجاءت الأحداث في كل من تونس ومصر العديد من "المراقبين" العرب وغير العرب حاولوا تفسيرها وفقا لمعايير موروثة من حقبة ماضية. لذلك شهدنا سجالات حول إذا ما كان الحراك المشهود "ثورة" أو "إنتفاضة" أو "أو حتى "تحريك" من دوائر خارجية دون الإنتباه إلى التناقض في الرؤية.  البعض، وهم كثر، تردّدوا في وصف المشهد كثورة وذلك لغياب "نظرية" و"تنظيم" و"قيادة" لذلك الحراك وفقا لمفاهيم أعتبرت من المسلّمات فيالتعريف عن الثورات في العالم.
الإشكالية
لا نريد الدخول في هذه السجالات إلاّ أن إشارتنا لها هو للتأكيد أن الموروث الفكري في التحديد والتعريف للحراك الجماهيري القائم لم يخضع لمراجعة أو لتدقيق وتفكيك. وكذلك الأمر على مجمل ما يُمكن تسميته بالعلوم السلوكية (behavioral sciences) سواء في العلوم السياسية أو الإقتصادية أو الإجتماعية أو الأنثروبولوجية أو الثقافية أو التاريخية. فمعظم المناهج لتلك المنظومات الفكرية مبنية على مفاهيم نشأت في الغرب وتوافدت لدينا منذ عصر النهضة ومن بعده خلال حقبة الإستعمار الأوروبي المباشر وغير المباشر.  ثم جاءت موجة الردة بعد نكسة 1967 لتظهر الإلتباس والتلفيق في العديد من المفاهيم التي تمّ التداول بها.  فالعقول محتلّة من قبل تلك المفاهيم والأخيرة لم تخضع لمراجعة أو تفكيك وهذه هي إشكاليتنا.
فمنذ عصر النهضة وعند الجيل الثاني والثالث لها وحتى الآن هناك إنبهار بالحضارة الغربية بسبب تفوّقها سواء في الميدان العسكري أو العلمي أو الإقتصادي أو السياسي أو الأجتماعي. فمنذ رحلة رفاعة الطهطاوي إلى قاسم أمين إلى فرح أنطون إلى طه حسين إلى قسطنطين زريق إلى مجموعة المثقفين المستغربين.
 (westernized intellectuals) الذين يحتلّون الفضائيات العربية والصحف والمجلّات والمنابر الجامعية هناك مسلّمة أن مفتاح التقدّم والحضارة هو في الغرب فيما أنجزه من تقدّم في العلوم والمفاهيم في العلوم السلوكية لتحليل الواقع السياسي الإقتصادي الأجتماعي الثقافي لمجتمعات الأمة. وتجلّ ذلك الأمر في الحقل السياسي بنظرية أن 99 بالمائة من الأوراق للأزمة السياسية في المنطقة في يد الولايات المتحدة.  وبالتالي لا يمكن مواجهة تلك الإرادة المبنية على التفوّق العسكري والإقتصادي والعلمي!
فعلى سبيل المثال وليس الحصر نشير إلى ثنائيات شغلت بال المثقف العربي كثنائية "الحداثة والأصالة" و"الديمقراطية والإسلام" و"الدولة وحكم العائلة" و"الهوية والتعدّدية الثقافية" و مشكلة "الآخر والإقصاء" إلخ. فهذه الثنائيات شكّلت مادة أساسية في الإنتاج الفكري والمعرفي لدى النخب العربية التي لم تخل من السجالات الحادة والإستقطاب بين مكوّنات المجتمعات العربية سنستعرضها بشكل سريع في فقرات لاحقة.
ذلك الحراك الفكري أفضى إلى قناعة مترسّخة عند معظم المفكّرين والمثقفين العرب أن حسم تلك الثنائيات ضرورة للخروج من الحلقات المفرغة العائدة للتخلّف والفقر. لسنا هنا في إطار "حسم" تلك الإشكاليات بل نريد لفت النظر أن المفاهيم المستوردة من تجارب خارجية وخاصة غربية لم تؤدّ إلى تشكيل حلول ناجعة لقضايا مجتمعاتنا. فحتى الغرب بات يعاني من إشكاليات ناتجة عن تلك المفاهيم تهدد وحدة نسيجه الإجتماعي.  فعلى سبيل المثال وليس الحصرهناك مقولة أن السلطة البطريركية أو الأبويةتشكّل عائقا للتقدّم وتكبح طاقات يمكن إطلاقها لو لم تكن تلك السلطة موجودة.  فالتمرّد على تلك السلطة ورفضها أفضى إلى انتهاج مناهج تربوية داخل الأسرة حيث أصبح فرض الإنضباط على الأطفال مسألة خطيرة تصل إلى تجريم الأبوين إذا ما قسوا في التأديب.  أدّى ذلك إلى إنحلال السلوك عند الأطفال ومن ثم عند الشباب.  مثل آخر يؤكّد مشكلة فقدان السلطة الأبوية يكمن في إشاعة عدم ضرورة وجود الأبوين في الأسرة. تشير الإحصاءات السكّانية في الولايات المتحدة وفقا لتعداد عام 2000 و2010 أن أكثر من 50 بالمائة من الأسر تفتقد لوجود أحد الأبوين!  ثم يتسائلون لماذا تتفكّك الأسرة في الولايات المتحدة ولماذا يتراجع النمو السكّاني ولماذا تتفشّى الأمراض الإجتماعية كالمخدّرات والولادة خارج كنف العائلة إلخ..؟  فلماذا نستورد ذلك المفهوم الذي وصل إلى طريق مسدود الآفاق في الغرب ونعتبره معيارا للتقدّم كما يريد بعض المثقفين والباحثين العرب المتأثرين بتلك المفاهيم؟
في "تفوّق الغرب" ومنظوماته الفكرية
هنا لا بد لنا من التوقف عند عدّة أمور. المسألة الأولى هي التدقيق في صحّة المقولة أن تفوّق الغرب على الشرق يعود إلى الإنفتاح الفكري الذي برز في عصر التنوير في القرن الثامن عشر وما تلاه من ثورات أطاحت بأشكال الإستبداد. فكانت الثورة الأميركية التي انتفضت على الحكم البريطاني ومن بعدها الثورة الفرنسية التي ألغت "الحق الإلهي للملكية" لملوك فرنسا وأنشأت الجمهورية كنموذج سياسي بديل يكرّس فصل السلطات ويحدّ من الإستبداد.  ويضيف "مفسّرو" التفوّق الغربي بقدوم الثورة الصناعية التي أنتجت الثروة والرخاء في الغرب.  في رأينا هذه قراءة مجتزأة للتاريخ والواقع كتبها "المنتصر" ليُجمّل صورته.

وهناك قراءة مغرضة تفسّر التقدّم الغربي بنقده للدين وللفكر الديني. وهؤلاء العلمانيون يعتبرون أن نقد الفكر الديني شرط ضروري وكافي للتقدّم والحضارة   متناسين أن حضارات وتقدّم في عدد من الدول الآسيوية لم يُبن على "نقد الدين" أو الفكر الديني!  فالقراءات المستوردة من الغرب دون إخضاعها لنقد وتفكيك تأتي في معظم الأحوال بإستنتاجات خاطئة تدفع المجتمعات المتأثرة بها أثمانا باهظة.  ونلفت النظر أيضا أن "نقد الفكر الديني أو الدين" في الغرب رافقه حروبا دموية كادت تطيح بالدول والمجتمعات الغربية. فهل المطلوب من العرب والمسلمين الخوض في تجارب مماثلة مدمّرة كما حصل في الغرب خاصة وأن السلاح العصري أكثر فتكا مما كان عليه في القرون الماضية؟
عودة إلى "التنوير" ونقول:  فإذا لا ننكر القيمة الفكرية لفلاسفة القرن الثامن عشر والإنفتاح الفكري الحاصل آنذاك في حقبة الإستبداد الملكي المتذرّع ب"الحق الإلهي" (ويا للمفارقة: التنوير في عصر الإستبداد!)، غير أن قيام الثورات سواء في أميركا أو في فرنسا في القرن الثامن عشر ومن بعدها صعود القوميات في ألمانيا وإيطاليا في القرن التاسع عشر تلازمت مع مآسي بشرية لا مثيل لها.
فالثورة الصناعية لم تكن لتنجح لولا حصول الدول الصناعية الناشئة آنذاك على المواد الأولية بأسعار بخسة بسبب استعمارها لقارات بكاملها.  كما لا يمكننا أن نغفل الإستغلال البشع وانتهاك كرامة الأنسان في المصانع الغربية وتدّني أجور العمال وتشغيلهم لفترات طويلة في النهار والليل (فكانت ردّة الفعل بروز الفكر الإشتراكي ومن بعده الشيوعي!). ولا يمكننا أن ننسى أن القارة الأميركية (شمالا وجنوبا) شهدت أبشع أنواع الإبادات والإستعباد.  فنمو ورخاء الولايات المتحدة على سبيل المثال تمّ بعد إبادة أصحاب الأرض الأوائل ومن بعدها باستعباد الأفارقة ومن بعد ذلك استقدام الصينيين في ظروف مذرية لبناء سكك الحديد لربط الشرق الأميركي بغربه.  فعصر التنوير والثورة الصناعية تلازما إن لم يسبباه مع عصر الإستعمار واستعباد الشعوب السمراء والصفراء والسوداء!  ويمكن القول أن "حرية" ورخاء الرجل الأبيض كانت على حساب الرجل الأسمر أو الأصفر أو الأسود وما زالت حتى الآن!
أما في المقولة أن الثورة الأميركية ومن بعدها الثورة الفرنسية أطاحتا بالإستبداد فالمسألة تتطلّب بعض النقاش. ففي الولايات المتحدة يمكن القول أن الثورة أطاحت بالحكم البريطاني وأقامت الجمهورية.  وقد حرص الآباء المؤسسون على فصل السلطات وإيجاد التوازن بينها لمنع الطغيان. لكن ما لا يشير إليه المعجبون بتلك الجمهورية النموذجية حسب رأيهم هو أن الدستور الجديد أقصا شرائح واسعة من المجتمع الأميركي الناشئ كالمرأة والفقراء وحصر حق التمثيل والإنتخاب بطبقة الملاّكين بحجة أنهم يستطيعون دفع الضرائب.  فمنذ البداية نجد أن الجمهورية الجديدة مفصّلة على مقياس الأثرياء.  من جهة أخرى تمّ أقصاء السود من الحياة السياسية إن لم نقل من الحياة ككل!!!  إن استقدام واستعباد الأفارقة للعمل على مزارع القطن (الركيزة الإقتصادية الأولى آنذاك) لم يكن دليلا على حرص على المساواة بل على نزعة إقصائية للآخر جذورها في النشأة التوراتية للمستعمرة الجديدة في القارة الجديدة على يد "المتطهرين" (puritans) . وتاريخ الولايات المتحدة مليء بالحوادث الإقصائية للآخر بل ثقافة الإقصاء متجذّرة عند النخب الحاكمة سواء بحجّة الدين أو بحجة المال .
في الحرّية
وهنا نتساءل: هل نظم القيّم التي روّجها الغرب مبنية على مبادئ صالحة للقبول بها لأنها قيم إنسانية أو لأنها تستعين بنظرة نفعية تخدم النخب الحاكمة وتبرّر ما لا يمكن تبريره؟  وهل النظم المعرفية التي انبثقت عن تلك النظم القيمية صالحة لمقاربة تحديّات كافة المجتمعات أو هناك ضرورة لإخضاع المجتمعات المختلفة لثقافة الغرب كي لا يكلّف الغرب نفسه بمجهود إضافي يعالج بموضوعية وجود "الآخر"؟ هذا إذا أردناإفتراض عدم سؤ النية. أم الوجه الآخر لفرض منظومات الغرب على الآخرين فقد يعود إلى عنصرية متجذّرة وإلى عقدة نقص تحوّلت إلى عقدة تفوّق وبالتالي إلى ضرورة محو ذاكرة وثقافة الآخرين أو حصرها في الفولكلور الذي يتمّ استثماره في الفن أو المشاهد الإستعراضية!؟
الإجابة على تلك الأسئلة معقدة ومركبة. فالتعقيد يعود إلى تعدد المنطلقات وإلى تشابكها بعضها ببعض. أما التركيب فيعود إلى عامل الزمن الذي ساهم في ابتداع صيغ مختلفة ومتطوّرة لتلك منظومة القيّم التي تدعم بنية الحكم عند النخب الحاكمة.
فمن جهة "المنطلقات" نجد أن الثورات في أميركا وفرنسا قضت علىتقليد اختزال السلطة المطلقة بشخص واحد أي الملك الذي كان يزعم أن ملكيته كانت حقّا إلاهيّا! فقامت الجمهورية التي تفصل السلطات الثلاثة: التنفيذية، والتشريعية، والقضائية. من هنا كان شعار الحرية والمساواة في الثورة الفرنسية وشعار المساواة بين الناس وحقهم في السعي إلى السعادة في الكلمات الأولى لإعلان الإستقلال عن بريطانيا في الثورة الأميركية. نلاحظ في كلا الحالتين غياب مفهوم العدالة بكافة أشكالها.  لم تكن العدالة في أي يوم محور اهتمام المفكّرين التنويريين بل الحرية ومكافحة الإستبداد. وإذا تلازمت الحرية في كثير من الأحيان في ذهن الناس مع مفهوم العدالة غير أنها لم تكن في اي يوم رديفة لها.  فالتركيز على الحريّة كقيمة أولية وقبل أي قيمة أخرى هي وسيلة لتحقيق "السعادة" التي ذكرها إعلان الإستقلال في أميركا (pursuit of happiness). والحريّة أفرزت النفعية كما حددها فلاسفة القرن التاسع عشر وورثة التنويرييّن. فنظريات جريمي بنتهام (1748-1832) وجون ستيوارت ميل (1806-1873) واغوست كونت (1798-1857) بلورت مبدأ النفعية كمدخل لتحقيق السعادة. ألم يقل بنتهام أن مفهوم العمل الجيد يتحدد بنتيجته وبالتالي كل ما يؤدي إلى "سعادة" الإنسان هو "جيّد"؟  فكانت النفعية أساس الفكر الإقتصادي الوضعي الذي كرّس نظريات السوق والتنافس الذي رافع عنها آدام سميث في كتابه المفصلي  عام 1776 تحت شعار "الحريّة" وبالتالي أدّى إلى تبرير وتبرئة تمركز السلطة والثروة في يد القلّة. نلفت النظر أن آدام سميث وبنتهام عاصرا الإستقلال الأميركي وبنتهام الثورة الفرنسية والحقبة النابليونية بينما عاصر كل من ميل وكونت الثورات المضادة في فرنسا وعودة الملكية والحقبة الإستعمارية التي تلازمت مع ما يُسمّونها في الغرب ب"الثورة الصناعية". ونحن من الذين يؤمنون بعدم إمكانية فصل الإنتاج الفكري عن الحقبة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية التي يلد فيها ذلك الإنتاج. فالنظريات التي أتوا بها وليدة تلك الحقبات وجائت دائما مبرّرة لسياسات كان يصعب تبريرها إلاّ عبر المدخل الإقتصادي!
طبعا ما لم يتكلّم عنه أولئك فلاسفة القرن الثامن والتاسع عشر هو التوسع الإستعماري الإستيطاني للدول المتأثرة بهم. فعبر النفعية والوضعية تمّ تبرير الإستعمار الإستيطاني الذي يأتي ب"الحضارة والمدنية" لشعوب تفتقدها كما زُعم عند النخب الحاكمة آنذاك وربما حتى اليوم!  فالشعوب العربية والإسلامية كانت "بحاجة للمدنية" الأوروبية! ألم يكن الكاتب الفرنسي ارنست رينان (1823-1892) من المنظّرين لتخلّف العقل السامي (ويقصد بذلك العقل العربي) الذي لا يستطيع تلمّس المجرّدات ؟  ألم يحاول نفي  المسيحية عن مسيحييّ المشرق العربي ويقول "أن المسيحية هي شيئنا" أي ملك الغرب (Le christianismeestnotre chose)؟  من هنا نفهم محاولات تهجير مسيحيي المشرق العربي إلى دول أوروبا وأميركا الشمالية واستراليا وكأن المسيحية "شيء غربي" والمشرق "شيء عربي وأو إسلامي" يمكن ضربه بكل راحة لأنهم "الآخر"!
  فالسجالات بين الإمام النهضوي محمد عبده (1849-1905) وارنست رينان خير دليل على سؤء الفهم إن لم نقل سوء  النيّة عند الأخير في مقاربته للعرب والمسلمين وذلك تبريرا لسياسات الإستعمار في شمال إفريقيا. والكلمة الفاصلة في رأينا أتى بها الصديق الدكتور جورج قرم في مقاربة هامة في مؤلفه حول انفجار شرق الأوسط فكّك خطاب رينان وأبرز التناقضات فيه . أما فيما يتعلّق بالتوجّهات المعرفية للعقل العربي فنشير إلى الكتاب الهام للصديق الدكتور إسكندر عبد النور  الذي فنّد فيه مزاعم باتي (1910-1996) المستشرق الصهيوني من أصول مجرية والناقدة للعقل العربي ومن خلالها نظرة الغرب إليه.
القيمة الأساسية في تراثنا وثقافتنا هي العدالة . العدالة في كل شيء في المنزل، في المجتمع، في الحكم. والحرية لا تخضع لمعيار النفعية بل لمعيار العدل والقسط والميزان وهذا فرق كبير يفسّر الكثير من سلوك العرب والمسلمين خاصة في الميدان الإقتصادي قبل "أمركة" وتغريب العالم العربي الإسلامي .
الملفت للنظر هو أن الغرب لم يعط للعدالة نفس المنزلة التي أعطاها للحرية. والمقصود هنا حريّة الفرد. استطاع المفكرّون البريطانيون حصر المسألة عبر فرض الإجابة على اختيار "واحد أو لاشيء" كمقولة  توماس هوبسون (1544-1633). أما الفيلسوف توماس هوبس (1588-1679) (وهو غير توماس هوبسون!) فيشدّد على ضرورة الضوابط عبر السلطة المفرطة (autocracy) المحصورة بشخص الحاكم المطلق وإلاّ لتحوّلت المجتمعات إلى ساحات صراعات وفوضى ودمار. هنا الخيار الهوبسوني: إما الدولة والسطلة وإما الفوضى والدمار أي لا شئ. إذا كيف يمكن توفيق بين مقتضيات السلطة والدعوة إلى الحرّية؟  الأجوبة عديدة ولكنها كانت دائما في كنف السلطة والتبرير لها.  طبعا هناك من يرفض اي نوع من السلطة وهم موجودون في الولايات المتحدة ويدعون نفسهم "الأحرار" (libertarians) ونفوذهم يتزايد يوما بعد يوم داخل الحزب الجمهوري المحافظ الذي يعتقد أن أفضل أنواع الحكم هو حكم الدولة الضعيفة والتي لا تتدخل في شؤون الناس حسب مقولة توماس جفرسون و توم باين.  وكلاهما من الأباء المؤسسين الذين حررّوا وثيقة إعلان استقلال الولايات المتحدة عن الحكم البريطاني وكما قال أيضا فيما بعد هنري دافيد ثورو صاحب مؤلف "العصيان المدني". في المقابل هناك من يقول أن قدر الولايات المتحدة هو قيادة العالم وذلك يتطلّب دولة مركزية قوية وفقا لمقولات أحد الأباء المؤسسين المنافس لجفرسون وهو الكسندر هاملتون. المهم في كل ذلك إبراز التناقض بين الدعوة إلى الحريّة وضرورات الدولة التي تمنع الفوضى وبالتالي التي تقيّد الحرّية.
الزيف المتعمّد في الأدبيات الغربية والمقولات السياسية المدافعة عن منظومة قيم النخب الحاكمة سواء كانت في السلطة أو في المعارضة والتي تدعو إلى نشر الحرّية من جهة وإلى تكريس السلطة المركزية من جهة أخرى تمّ تجاوزها في التوسّع الجغرافي أولا في القارة الأميركية عبر إبادة الشعوب والأمم القاطنة لإفساح المجال لقدوم المستوطنين من أوروبا، أو لإخضاععها لسيطرتها المباشرة في القارة السوداء والصفراء والسمراء لكل من فرنسا وبريطانيا والبرتغال وإسبانيا وهولندا.
ربما من رفع مسألة الحرّية إلى مستوى "المعتقد" هو الفيلسوف البريطاني جون ستيوارت ميل في مؤلفه الشهير "عن الحرية" (1859) حيث حاول تجاوز التناقض بين ما سمّاه "استبداد الأكثرية" وحرّية الفرد. فالفرد في نظره "سيّد على جسده وعقله وبالتالي كامل السيادة". وهو رافض سيطرة "الأكثرية" ويبتكر مبدأ "الضرر" أي أنه لا يجوز لأي سلطة تقييد حرية الفرد إلاّ إذا كان الأخير سببا في الضرر للآخرين. وهذه الأفكار أساس الفكر الليبرالي السائد حتى اليوم حيث الليبرالية السياسية تعني تقلّص دور الدولة أو السلطة. وهذا جوهر السجال القائم في الولايات المتحدة بين المحافظين الممثلين بالحزب الجمهوري وبين الحزب الديمقراطي الذي يمثّل المتحرّرين نسبيا على الصعيد الإجتماعي ولكن يعتقدون بضرورة الدولة المركزية القوية.
ونلفت النظر أن فكرة "الحرية" تشكّل قاعدة الفكر الإقتصادي الليبرالي الذي يقترن بمبدأ النفعية. فالحرّية للفرد تُطلق طاقاته الخلاّقة التي تقيّدها السلطة (دون تفسير لماذا؟) وبالتالي يصبح النمو الإقتصادي بقيادة الفرد الذي يخلق الفرص ويحقق طموحاته. وهنا نسأل: متى كانت السلطة المستبدّة المقيّدة للحرية مانعة للإبداع؟ ألم يظهر فلاسفة التنوير في عهد الملكية المطلقة؟  ألم نر إنجازات العلماء والباحثين في كافة المجتمعات حتى المستبدّة؟  فإذا لماذا الإدّعاء أن الحرية ضرورة "لإطلاق الطموحات والطاقات؟
هذه "الطموحات" تترجم بزيادة الوظائف والدخل والإستهلاك والنمو في الإقتصادات الحديثة. غير أن الحرّية المعطاة للفرد تخلق مناخا شرسا حيث الأقوى يقضي على الأضعف تماشيا مع الفلسفة الداروينية للتطوّر. وهذا يؤدّي إلى تمركز الثروة والسلطة بيد الأقليّة التي تنتج وتدعم نظاما سياسيا يؤمّن ديمومتها. والمفارقة العجيبة هي أن المقاربة الداروينية تلازمت مع التبرير الديني للرأس المالية في المؤلف المفصلي لماكس فيبر في دفاعه عن الأخلاق البروتستنتية وصعود الرأس المالية.  ف"النجاح" على هذه الآرض وفي هذه الدنيا مؤشر النجاة للآخرة وفقا للنظرة البروتستنتية!  وبالتالي التشجيع على "التنافس" لتراكم رأس المال.
في هذا السياق لا بد من التوقّف على مسألة التنافس الحرّ الذي يتمّ ترويجه في الجامعات الغربية والخطاب السياسي الغربي في مقاربة للمشهد الإقتصادي بشكل عام في دول الغرب. التنافس الحرّ هو المبدأ الذي يرتكز عليه الفكر الإقتصادي الليبرالي وإن كان هناك إقرارا بأن التنافس حالة مثالية غير موجودة في الواقع. الأرجح هو أشكال متعدّدة للممارسات الإحتكارية أو التنافس الإحتكاري (monopolistic competition) وهذا ما بيّنته أعمال المفكّرين الإقتصاديين كإدوارد شامبرلين وجون روبنسون.  إذا يمكننا أن نتساءل لماذا إلإصرار على خلق "بيئة حرّة" للتعامل الإقتصادي عندما تكون النتيجة معروفة سلفا وهي الوصول إلى شكل من أشكال الأحتكار؟  والمفارقة هي أن نفس الفكر الليبرالي يندّد بالإحتكار بينما يروّج لإفساح المجال لتكريس الإحتكار؟
هنا يمكن الردّ على ذلك بإقامة التشريعات التي تحدّ من الممارسات الإحتكارية. وصحيح أنه يوجد العديد من تلك التشريعات غير أنه بالمقابل هناك إقرار بأن تطبيقها وتنفيذها صعب للغاية. فإيجاد البرهان القانوني على قيام إحتكار صعب للغاية كما يتمّ تدريسه في الجامعات الغربية .  لكن هذه الصعوبة مذكورة من باب التنديد بالتشريعات والضوابط المنظّمة للعمل الإقتصادي. ف"الحرّية" تطلق الطاقات والطموحات كما ذكرنا أعلاه. وبالتالي، من هنا نفهم الإصرار على القضاء على شبكات الحماية الإجتماعية عند أولئك الليبراليين الذين يعتقدون أن الفرد أو المجتمع أجدر في حماية الضعيف ومساعدته بينما الدولة تهدر الأموال وتغرق في الفساد وعدم الكفاءة. الغريب أن هذه الرؤية تتلائم مع التراث العربي الإسلامي حيث نظام التكافل السبّاق لنظام الضمان الإجتماعي الذي يأخذ على عاتقه إيعال المستضعفين في المجتمع. وهذا النظام التكافلي يقوم به المجتمع والأفراد بدلا من السلطة المركزية.  لذلك كانت الخدمات العامة تعطيها الأوقاف التي شكّلت الإطار المؤسسي لنظام التكافل.
أما الحرّية في تراثنا فلا يمكن مقاربتها إلاّ من خلال مفهوم الوسطية. إن الحرّية عكس العبودية والحرّية هي على ثلاثة مستويات: مستوى الفرد، مستوى المجتمع، ومستوى السلطة أو الدولة."الحرّية" كمفهوم أساسي في الغرب أدّت إلى نمو إقتصادي واضح ولكن على حساب قيم ومفاهيم تهدّد اليوم تماسك مجتمعاته. الحرّية التي ترافقها النفعية لا يمكن إلاّ أن تدمّر مستقبل المجتمع إذا كانت هي القيمة الرئيسية وغير مضبوطة. أين تبدأ الحرّية وأين تبدأ الفوضى؟ أين تبدأ المسؤولية وأين حدود الحرّية؟ أين حدود الحرّية وأين حدود شريعة الغاب؟  أسئلة حاول الفلاسفة التنويريون الإجابة عليها وإن كانت طروحاتهم مبنية على أرضية معرفية أقلّ من التي نقف عليها اليوم. فهل يا ترى كانوا ليستمرّوا في تلك الطروحات لو عرفوا النتائج المأسوية القائمة لتطبيقات تلك الأفكار؟ وبالتالي نحن مدعوون إلى مراجعة شاملة لتلك المفاهيم على ضوء التجارب التي خاضتها المجتمعات الغربية آخذين بعين الإعتبار القيم التي ما زلنا نتمسّك بها. فإذا وصلنا إلى نتيجة أن هذه المجتمعات تعيش مأزقا وجوديا فلماذا نستمرّ بالإمتثال لها وإعتبارها مرجعية لنا لا بد منها؟
هناك ميل عند بعض المثقفين العرب في اعتبار الحقبة التنويرية في القرن الثامن عشر أسمى ما أنتجه الغرب حتى في الموسيقى! في هذا السياق، تساءل الصديق الدكتور جورج قرم في أحد مؤلفاته عن اوروبا: كيف استطاعت أوروبا أن تنتج من جهة روعات المؤلّف الموسيقي موزار وفظائع النازية وشخصيات كشخصية هتلر؟
نقول  أن "الحرّية" في تراثنا مبنية على الوسطية.  فلا يمكن أن تتجاوز حرّية الفرد حرية المجتمع وكما أن حرية المجتمع تتماهى مع حدود حرّية السلطة المركزية فالعكس صحيح أيضا ولكن وفقا لمعيار المصلحة العامة. إذا مبدأ الحرّية للفرد في المفهوم الغربي يختلف عن مفهومنا نحن.  فإذا كانت حرّية الفرد شبه مطلقة عند فلاسفة التنوير وما بعد التنوير "لإطلاق طاقاته الإبداعية" فإن حرّية الفرد في تراثنا تخضع لحدود.  تبقى مسألة تحديد تلك الحدود ومن يحددها وهنا المشكلة. حاول الفقهاء عبر التاريخ تفسير وتأويل القرآن وفقا للبيئة السياسية التي عاشوا فيها فكانت أحكامهم تنقل دون عقل نقدي عند الذين حلّوا مكانهم فيما بعد فأصبحت شبه منزلة!  أما اليوم، فنقف على أرضية معرفية مختلفة تماما من التي كانت قائمة في حقبة الفقهاء الذين بنوا هيكلية التفسيرات والتأويلات ومن ثمّ الأحكام وفقا لتلك الأرضية.  لذلك لا ضير أن تكون تفسيرات وتأويلات وأحكام مختلفة اليوم ونعي أن أصحاب الموقف والتقليدي قد يختلفون معنا في الرأي ولكن نطرح السؤال: هل نحن محكومون بأحكام تمّ صياغتها منذ عدة قرون دون إخضاعها لمراجعة وتحديث؟
من جهة أخرى، إن "الحرّية" في تراثنا تحمل في طيّاتها مسؤولية ولا تستند على النفعية كما هو حاصل في الفكر الغربي. ف"الحرّية" آداة لتحقيق الخيارات الصحيحة التي يتمّ من بعدها المحاسبة. وعبر التاريخ العربي الإسلامي لم يكن في يوم من الأيّام التسلّط السياسي عائقا أمام الإبداع والطاقات. فروّاد الفكر والعلم عاشوا في مجتمعات اختلفت ظروفها من حيث الشكل ولكن لم تكن في يوم من الأيّام "حرّة" بالمفهوم الغربي.  القيمة الأساسية المحرّكة لمجتمعاتنا كانت وما زالت "العدالة".  فلا "إبداع" ولا "إطلاق طاقات" دون "عدالة".  هذه القيمة موجودة في الغرب ولكنها لا تحظى بالمرتبة التي تحظى بها "الحرّية".  ولا يمكننا أن نستبعد إطلاق "الحرّية" كقيمة مركزية في الغرب إلاّ من باب النفعية.  فهي القيمة التي تبرّر لفظيا المبادرة الشخصية ولكن في آخر المطاف تؤدّي إلى تمركز السلطة والثروة في يد القلّة.  وينتج عن ذلك منظومات فكرية وسياسية وإجتماعية تعيد إنتاج تلك الثقافة وتسهام في ديمومة سيطرة النخب السياسية المرتبطة بالمال والثروة وعلى حساب الآخرين.
في الدولة
مسألة أخرى في غاية الأهمية هي مسألة "الدولة". معظم إن لم تكن كل الأدبيات المعاصرة العربية تتحدّث عن ضرورة بناء "الدولة الحديثة" المعاصرة دون التدقيق في مفهومها. فالدولة مفهوم حديث نسبيا نشأ بعد قيام الثورة الفرنسية التي إنقضّت على مفهوم الحق الإلهي في الحكم المطلق وفقا لمقولة الملك الفرنسي لويس الرابع عشر: "أنا الدولة". ففصل السلطات على مبدأ قاعدة إستقلاليتها شكّلت ركيزة النظام الجمهوري الذي تمّ تعميمه في الغرب ومن بعده في العالم.  إلاّ أنه لم ينتبه المثقّف العربي أن ذلك النظام تلازم مع نهضة إقتصادية استلزمت وجود مؤسسات تحمي القدرات الإنتاجية. فالغرب بلوز ثقافة الإنتاج في المجتمع وبالتالي أصبحت الدولة ومؤسساتها التي تصنع القرار السياسي والإقتصادي والإجتماعي والثقافي حامية لذلك للمجتمع.  الدولة تحميه وتقدّم له كافة الخدمات التي لا يستطيع أن يحققها وبالتالي ينصرف الفرد إلى إنتاج الثروة. لذلك كانت وما زالت الدولة في الغرب مكوّن أساسي للمجتمع ومن بعد الأمة وأقوى منه.
بينما في مجتمعاتنا عبر التاريخ، قبل وبعد ظهور الإسلام، لم تكن الدولة بالمفهوم المتداول اليوم أقوى من المجتمع. فما يُسمّى ب"الدولة" في مجتمعاتنا العربية المعاصرة أضعف من المجتمع. والتاريخ العربي المعاصر شهد إنهيارات ل"الدولة" دون أن ينهار المجتمع. المجتمع الفلسطيني يفتقد "الدولة" والفلسطينيّون مشرّدون وأرضهم محتلّة ولكن ما زال المجتمع الفلسطيني متماسكا. لبنان شهد حربا أهلية على مدى 15 سنة تلاشت مؤسسات "الدولة" ولم ينهار المجتمع اللبناني. العراق تمّ احتلاله وتدمير مؤسساته بشكل متعمّد ولكن لم ينهار المجتمع رغم الآلام والأوجاع التي مرّ بها وما زال. أي بمعنى آخر لم تكن "الدولة" العربية بعد حصولها على استقلالها من الإستعمار الغربي أقوى من مجتمعها وذلك لأسباب لا داعي الخوض فيها.  تكفي الإشارة أن النخب العربية الحاكمة أرادت أن تكون "الدولة" أضعف من مكوّنات المجتمع.  كان  الهدف عندهم وما زال الحفاظ على السلطة وتقاسم المغانم وفقا للولائات الفئوية المختلفة وليس لبلورة مؤسسات مستقلّة يتمّ من خلالها المسائلة والمحاسبة.  لكن هذا موضوع يمكن مناقشته في ورقة أخرى.
إضافة لذلك علينا أن نقرّ بأننا لم نبلور ونشجّع ثقافة المجهود لإنتاج الثروة. ووجود "الدولة" مرتبط بثقافة المجهود لإنتاج الثروة ولا تكتفي بتوزيعها.   كتابات ابن خلدون واضحة في هذا المجال. لدى العرب نظرة دونية للمجهود الإنتاجي لأنه يتنافى مع "المروّة"! بالمقابل بلورنا ثقافة متطوّرة جدّا للتوزيع. فنظام التكافل الذي يعود إلى أكثر من 14 قرن سبق نظام الضمان الإجتماعي الذي نطالب به الدولة الحديثة.  نظام التكافل يقوم به المجتمع عبر مؤسسات مختلفة كمؤسسة الأوقاف بينما في الغرب تقوم الدولة بتقديم تلك الخدمات. من جهة أخرى نؤكّد أن طبيعة إقتصاداتنا طبيعة ريعية بإمتياز تتجنب الإنتاج والإنتاجية. وبالتالي المنظومة الثقافية النابعة عن الثقافة الريعية تتنافى مع مفاهيم الدولة المعاصرة في الغرب. فعلى سبيل المثال الثروة في الوطن العربي مصدرها ريعي وهي ملك النخب الحاكمة (سواء كانت هذه الملكية تحظى بمشروعية رضى الشعب أو لا). وهذه النخب تقوم بتوزيع الثروة وفقا لمعايير الولاء وليس وفقا للكفاءة أو الحاجة. من هنا تتغذّى الفئويات المختلفة من طائفية ومذهبية وقبلية وعشائرية ومناطقية وقطاعية منفردة وأو مجتمعة. وتوزيع الثروة على تلك القاعدة تلغي المسائلة والمحاسبة.  فكيف يمكن للفرد أن يحاسب وليّ أمره وعلى أي أساس؟  لدينا في هذا الموضوع أبحاث ودراسات تفصّل البنية الإقتصادية والنظام السياسي القائم والعلاقة العضوية مع الفساد  لذلك لن نخوض فيها في هذه الورقة. 
المهم في إدارة المدينة العربية الإسلامية هو ليس تحديد مصدر الثروة بل كيفية توزيعها والحفاظ على التراتبية والنظام القائم.  أعمال الباحث الجزائري أحمد هنّي جديرة بالإهتمام لأنها تطرح إشكالية تناذر التيارات الإسلامية السياسية وتحوّلات الرأس المالية . على كل حال هذا موضوع جدير بالمناقشة وإن كنّا نعتقد أن العلاقة العضوية بين الإقتصاد الريعي والنظام الفئوي وما يرافقه من فساد في إدارة الشأن العام والخاص هي المدخل لمقاربة الواقع المتردّي في المجتمعات العربية وليست المقاربات المستوردة من الخارج التي تدخلنا في متاهات نحن بغنى عنها.  فليست "قلّة الديمقراطية" أو "عدم إنصاف المرأة" أو "غياب الحداثة" أو "عدم وجود مؤسسات" إلخ تفسّر المشكلة.  أحادية الطروحات مشكلة بحدّ ذاتها وتحتاج إلى مراجعة كما ذكرنا سابقا.
في نفس السياق نشير إلى مفارقة غريبة.  جذر مصطلح "الدولة" في الغرب يدّل على شيء ثابت (état/state) بينما جذر المصطلح المستورد والمترجم يدّل في اللسان العربي على شيء متحرّك وغير ثابت. وهنا نسأل: كيف يمكن أن يكون لنفس المفهوم جذور مختلفة في الغرب وعند العرب؟ ألا يدّل ذلك على وجود في الحد الأدنىإلتباس وفي الحد الأقصى إختلاف في المفهوم؟  فلماذا نركّز على مفهوم أصوله مختلفة عندنا؟  كما أننا نطرح سؤالا آخرا:  لماذ لم يبلور العرب مفهوما للدولة بل بلوروا مفهوما للسلطة؟ فما معنى "الأحكام السلطانية" للماوردي على سبيل المثال؟ وهناك فارق بين السلطة والدولة يمكن أن نغوص فيه في مكان آخر!
ملاحظة أخيرة استوقفتنا في النقاش حول مفهوم الدولة. لماذا لم يأت الإسلام بمفهوم للدولة المركزية شبيها بالمفهوم الغربي؟ إذا أخذنا المقاربة الغربية للدولة وخاصة من زاوية الخيار الهوبسوني الذي ذكرناه سابقا فهذا يعني أن الدولة ضرورة في الغرب وإلاّ لا كانت الفوضى. أما في تراثنا فالفوضى تقيّدها مفاهيم عدة أولها العدل والقسط والميزان. المنظومة القيمية أقوى من المنظومة المؤسستية في تراثنا بينما في بالغرب تمّ القضاء على المنظومة القيمية بقيام الثورة في فرنسا وتأثيرها على كل أوروبا والغرب. هذا ما يقصده الدكتور قرم في مؤلفه "المسألة الدينية في القرن الواحد والعشرين". فمنذ قيام الثورة الفرنسية التي أخرجت "السحر" من الفضاء العام والمتمثّل بالدين قامت الثورة المضادة وما زالت حتى الآن قائمة لإعادة شيء من "السحر" المفقود.  لكن ما رافق هذا المجهود لإسترجاع "السحر" بروز مفهوم "الآخر" المبرّر لإستعباد الشعوب الأخرى.
في الديمقراطية
أشرنا أعلاه إلى الإلتباس القائم في تحديد مفهوم الدولة . ويعود ذلك إلى اقتباس مفاهيم مستوردة من الغرب دون إخضاعها لمراجعة نقدية أولتفكيك أسس ذلك المفهوم.  حاولنا إبراز بعض المفارقات فيه غير أن إلتباسا أكبر يقع في رأينا في مفهوم آخر متداول بين النخب المثقفة وشبه المثقفة ألا وهي الديمقراطية التي تتلازم مع قضايا بناء "الدولة المعاصرة" وتحقيق أهداف أخرى كالتنمية المستدامة والعدالة الإجتماعية، وذلك على سبيل المثال وليس الحصر.  وهذه الأهداف تشكّل جوهر المشروع العربي النهضوي غير أن مسألة الديمقراطية لم تُناقش في رأينا كما يجب بل تمّ التسليم بها كهدف إستراتيجي لتحقيق الحوكمة السياسية والمشاركة الفعّالة لمكوّنات المجتمع.
ومن ضمن الصفات الملصقة بالديمقراطية أنها "حق" للشعوب وأنها "قيمة كونية" وأنها "الضمان لإنهاء الحروب". وذهب البعض في الغرب إلى اعتبار الديمقراطية "نهاية التاريخ" كما زعم فرنسيس فوكوياما (تراجع عن ذلك فيما بعد!) وأنّ كل من يقف في وجه زحف الديمقراطية إنما يقف ضدّ التاريخ. فالديمقراطية على حد زعمهم هي النظام الذي يُحرّر مواطنيه من العبودية السياسية والخوف، ويطلق الطاقات الاجتماعية للإنتاج والإبداع والتنافس وتحقيق التراكم: المادي والمعنوي، ويعزز اللحمة الوطنية والقومية استنادا إلى رابطة المواطنة.
لكن الوقائع التاريخية تنفي علاقة "النبل" بالنظام الديمقراطي. فبعد حدوث الثورة الفرنسية التي قضت على الملكية و"الحق الإلهي" ألم تصبح فرنسا دولة إستعمارية بكل معنى الكلمة ودولة مستبدة حتى قيام الجمهورية الثالثة بعد هزيمة 1870؟   ألم يكن الإستعمار البريطاني والفرنسي والإسباني والبرتغالي سبب الرخاء الاقتصادي لتلك الدول؟  من جهة أخرى، ألم تقم الولايات المتحدة على إبادة الشعوب الأولي القاطنة في شمال أميركا؟  ألم يكن توسع الدولة الناشئة غربا حتى وصولها إلى المحيط الهادي ومن بعدها استعمار جزر هاواي والفيليبين وحتى كوبا متنافيا مع مبادئ الديمقراطية؟ أما في دول شرق آسيا، ألم تقم نهضة اقتصادية في ظل أنظمة "مستبدة" أو كما يقولون "اتوقراطية"!؟  كيف يمكن وصف سنغافورة وكوريا الجنوبية في الخمسينات والستينات والسبعينات؟ والآن، هل يمكن القول أن الصين دولة ديمقراطية وإن كانت أحرزت تقدما اقتصاديا وعلميا تنافس به الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي واليابان مجتمعين؟
إذا، الدليل التاريخي المزعوم ل"ضرورة" الديمقراطية مفقود. أضف إلى ذلك، كيف يمكن تفسير وقوع حروب عالمية في أقل من عشرين سنة في القرن الماضي؟  ألم يأت هتلر بطريقة "ديمقراطية" إلى الحكم؟  ألم يأت جورج بوش الأبن إلى الحكم بنفس الطريقة وفي ولايتين متتاليتين وهو الذي يمكن إدانته وحكومته بجرائم حرب كما فعل أسلافه بالقيادات الألمانية واليبانية بعد الحرب العالمية الثانية؟  ألم تكن الفاشية في كل من ألمانيا وايطاليا سبب النهضة الاقتصادية فيها بعض أن ضربتها الإتفاقيات (فرساي) المجحفة بحق ألمانيا وبسبب الكساد الكبير الذي حصل في أكبر دولة تبنّت القيم الديمقراطية دون أن تمارسها؟  وهل بإمكان إيجاد نهضة اقتصادية دون نهضة علمية؟
بعض المؤرّخين الإقتصاديين الغربيين يطرحون نظرية تفسّر الرخاء والثروة في الدول المتقدّمة في أنها تعود إلى طبيعة المؤسسات الجامعة (inclusive institutions) سواء على الصعيد السياسي أو الإقتصادي . وهذه محاولة ذكية لتلميع النموذج الغربي دون الخوض في سجالات مدمّرة حول الديمقراطية.  فالكلام عن "مؤسسات جامعة" مقابل مؤسسات إقصائية (extractive institutions)  يتجاوز معضلات الديمقراطية بل يشكّل في رأينا إعترافا بحدود النظام الديمقراطي بسبب الإنحرافات التي يتعرّض لها. فالمشاركة وإدخال شرائح أوسع في القرار السياسي والإقتصادي أقوى من الكلام عن الديمقراطية التمثيلية التي يخطتفها الرأس المال. وهذه نقطة جديرة بالبحث عندنا لأنها تفتح آفاقا جديدة لمشاركة الشعوب في صنع القرار دون الخضوع للإنحرافات وإبتزاز قوة المال.
بالمقابل كان الاتحاد السوفيتي والصيني نموذجين للنظام الشمولي ورغم كل ذلك حققا إنجازات علمية واقتصادية واجتماعية لا يمكن إغفالها. هذا لا يعني أننا ندعو إلى نظام مشابه ولكن لا بد من ترك الأوهام والحجج الواهية بأن النظام الديمقراطي ضرورة للتقدم على الصعيد العلمي أو الاقتصادي أو الإجتماعي. النظام السوفيتي ألغى الحريّات بحجة الضرورة لتحقيق مشروعه العقائدي. بالمقابل، ألغت الدول الغربية في سبيل الحرية (أو الربح) الحقوق الاقتصادية والإجتماعية للعمال. الرأس المال هو المسيطر على القرار السياسي وبالتالي كل شيء يخضع لمصالحه ولمشيئته.  الحرية في النظام الشمولي تُلغى قسريا بينما الحرية في النظام الديمقراطي الرأس المالي تُصادر طوعا.  على كل حال ندعو المثقفين إلى مناقشة هذه النقطة وإن   تكوّنت مناخات متعددة من الإرهاب الفكري لمنع التدقيق في مكوّنات المفهوم ناهيك عن تطبيقاته.
ومصطلح "الديمقراطية" جذره آت من اليونانية وهو مركّب من كلمتين: "ديموس" أي الشعب، و"قراسيا" أي الحكم ومن هنا الإلتباس الأول أنه "حكم الشعب". غير أن المجتمع الآثنيي في عهد باريكليس الذهبي لم ير بالفعل أي صيغة لحكم الشعب، بل كان حكم النخب. فالنساء، والعبيد (أي غير الأحرار) كانوا ممنوعين من المشاركة بأي شكل كان في شؤون إدارة المدينة-الدولة، النمط السائد آنذاك في المجتمع السياسي اليوناني. وإذا قفزنا بضعة قرون إلى الأمام نرى أن "أعرق الديمقراطيات"، أي الديمقراطية البريطانية كانت محصورة في مشاركة النبلاء مع الملك وذلك وفقا ل"الميثاق العظيم" أو "الماغنا كارتا" في أوائل القرن الثالث عشر الميلادي (1215). وبعض بضعة قرون في آواخر القرن السابع عشر(1688) قامت ما يُسمّى ب"الثورة المجيدة" ((Glorious Revolution التي شكّلت قاعدة النظام البريطاني ومؤسساته "الجامعة" .
أما في الولايات المتحدة فاختلط الأمر على من كان ينادي بالجمهورية بدلا من الملكية وهم الآباء المؤسسون، وعلى معجبيهم في العالم الذين اعتبروا إنشاء الجمهورية الأميركية على شكل ولايات متحدة نموذجا للحكم الديمقراطي. غير أن الوقائع مخالفة لذلك. فالدستور الأميركي حصر المشاركة السياسية باللذين يستطيعون دفع الضرائب أي المالكين العقاريين (landlords) فتمّ إبعاد كل من لا يملك عقارا.  للعلم فإن مقاطعة كولومبيا حيث تقع العاصمة الإتحادية واشنطن ممنوعة من التمثيل في الكونغرس سواء على مستوى مجلس الممثلين أو مجلس الشيوخ مما يثير بشكل دوري حفيظة سكاّن العاصمة. كما مقاطعة بورتو ريكو ممنوعة من التمثيل السياسي لأنها لا يدفع المقيمون فيها الضرائب. كما تمّ أيضا إبعاد المرأة والأفارقة المستعبدين قسريا أسوة بالسابقة اليونانية.  فالدستور الأميركي الذي أسس الجمهورية في أميركا الشمالية لم يكن في البداية دستورا ديمقراطيا.  والتعديلات المتلاحقة للدستور دليل على الثغرات التي كان لا بد من معالجتها. أما البعد الديمقراطي فجاء في خطبة شهيرة للرئيس ابراهام لينكولن خلال الحرب الأهلية عندما حدد أن النظام الذي يريد إقامته هو حكم الشعب ومن الشعب وللشعب .
لكن هل كانت الممارسة منذ ذلك الحين وفيّة لتلك المبادئ؟  انتظرت المرأة الأميركية القرن العشرين للحصول على حق التصويت والأفارقة الأميركيون الذين تمّ تحريرهم خلال الحرب الأهلية لم يحصلوا على حقوقهم المدنية الكاملة إلإ في النصف الثاني من القرن الماضي. فوصول اوباما إلى سدّة الرئاسة كان تتويجا لرحلة طويلة بدأت بالحرب الأهلية وقادها فيما بعد القس مارتن لوثر كينغ في الستينات من القرن الماضي إلى أن تحقق عام 2008 "حلمه الكبير" بعد أربعين سنة على إغتياله عام 1968. غير أن الوصول الإستثنائي إلى السلطة الذي قد لا يتكرّر لفئات من أعراق وأديان غير الدين المسيطر أي البروتستنطية البيضاء الأنكلو ساكسونية. وهذه السابقة في وصول رئيس منحدر من اصول إفريقية لم تخف إخفاقات أخرى كحكم وسيطرة المال على الأجندة السياسية.
هذه الأجندة الذي تكلّم عنها المنظّر الكبير للديمقراطية في الولايات المتحدة الكاتب روبرت آلن داهل ، هي محور الحراك السياسي. فمن يسيطر على تلك الأجندة هو الذي يتحكم بالأمور وفي الحكم. المقصود هنا مجمل المطالب الوطنية التي يتفق عليها المواطنون. فإذا كانت نسبة الاقتراع في المشروع الديمقراطي التمثيلي متدنية أي أقل من النصف فهذا يعني أن نتائج الإقتراع لا يمكن أن تمثل بشكل فعلي وصحيح رأي الأكثرية. فيصبح السؤال هل تلك الظروف الموضوعية لإجراء عملية اقتراع واستفتاء نزيهة وصحيحة؟ فما حال عندئذ "الكيانات" القائمة في مختلف أقطار الوطن العربي؟ كيف يمكن أن تقوم "الديمقراطية" في مجتمعات مبنية على كافة أشكال الفئوية وعلى اقتصاد ريعي بقبضة النخب الحاكمة؟ كيف يمكن المسائلة والمحاسبة في تلك الظروف؟  كيف يمكن تشجيع الفكر الحر والإبداع الذي يحمل في طياته العقل النقدي والمسائلة والمحاسبة؟ وأخيرا، كيف يمكن أن تقوم الديمقراطية مازالت أقطار عربية تحت الاحتلال المباشر وغير المباشر للصهاينة والحلف الأطلسي؟ كيف يمكن الاعتماد على إرادة حرة لتقرير المصير والمسار؟ وهل "الديمقراطية" التي أتت بها الولايات المتحدة إلى العراق وما رافقها من قتال ودمار وتفكيك مجتمع النموذج الذي يجب تطبيقه؟  على كل حال هذه أسئلة يجب طرحها قبل تبنّي مفهوم الديمقراطية.
ثم نسأل: من قال أن الديمقراطية قيمة كونية قائمة بحد ذاتها؟  أليست هي فقط وسيلة حكم من بين وسائل عديدة موجودة أو يمكن ابتكارها سواء من التراث أو من الواقع لتحقيق أهداف شعوب الأمة في مجتمع الكفاية والعدل وتكافؤ الفرص؟  أي بمعنى آخر، إذا توفرّت نماذج أخرى تحقق تلك الأهداف فهل تصبح الديمقراطية "إلزامية"؟  أليست الديمقراطية شرط ضرورة ولكن ليست شرط كفاية؟ ألم يقل ونستون شرشيل أن الديمقراطية أحسن الأنظمة السيئة؟ فلماذا علينا أن نقبل بالسيء؟ لا نريد الإسترسال في ذلك الأمر غير أن ما يمكننا قوله هو أننا نرى حكم المال هو العنوان الفعلي للنمط الديمقراطي القائم في الولايات المتحدة والذي تمّ تعميمه على كافة "الديمقراطيات الغربية" وصولا إلى مصر ولبنان وتونس. فمنذ أن اعتبرت المحكمة الدستورية العليا في الولايات المتحدة أن المال وسيلة من بين وسائل التعبير وبما أن الدستور يكفل حرية التعبير لذلك أصبح المال العنصر الأساسي في "التعبير" السياسي وخاصة في الحملات الإنتخابية التي تتيح الفرصة "للتعبير"! والمال سهّل القضاء على جوهر الديمقراطية.  فهناك تقديرات أوّلية حول قيمة نفقات الإنتخابية الرئاسية عام 2012 في الولايات المتحدة حيث يُتوقّع أن تفوق 750 مليون دولار لكل من المرشحين المتنافسين. ومن هنا يمكن أن نسأل كيف يستطيع المرشح الحصول على تلك المبالغ دون أن يكون مرتهنا لمموّليه؟ أما في لبنان تداولت الأوساط السياسية قيمة ما تمّ إنفاقه في الحملة الإنتخابية النيابية عام 2009 حيث وصلت التقديرات إلى 750 مليون دولار لتحالف قوى 14 آذار و500 مليون دولار لتحالف قوى 8 آذار. فبغض النظر عن صحة تلك الأرقام أو عدمها بات واضحا أن عنصر المال أصبح المتحكّم بسير الأمور. فإذا كان المال عصب الحرب فهو أيضا شريان وعصب وقلب وروح وجسد العمل السياسي ليس في لبنان بل في كل كيان يعتبر أن الحراك السياسي هو حراك "ديمقراطي"!من هنا نرى أن النظام الديمقراطي هو الغطاء الشرعي لنظام الكلبتوقراطية أي نظام حكم اللصوص! وليست ال