www.arabnc.org
   
الصفحة الرئيسة
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
المشاركون في الدورة ا
المشاركون في الدورة ا
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول المشاركين 30
جدول المشاركين 31
الأول 1990
الثاني 1991
الثالث 1992
الرابع 1993
الخامس 1994
السادس 1996
السابع 1997
الثامن 1998
التاسع 1999
العاشر 2000
الحادي عشر 2001
الثاني عشر 2002
الدورة الطارئة 2002
الرابع عشر 2003
الخامس عشر 2004
السادس عشر 2005
السابع عشر 2006
الثامن عشر 2007
التاسع عشر 2008
العشرون 2009
الواحد والعشرون 2010
الثاني والعشرون 2011
الثالث والعشرين 2012
الرابع والعشرون 2013
الخامس والعشرون 2014
السادس والعشرون 2015
السابع والعشرون 2016
الثامن والعشرون 2017
التاسع والعشرون 2018
الثلاثون 2019
الواحد والثلاثون 2022
القائمة البريدية
بحث
تصغير الخط تكبير الخط 
تهديدات الأمن القومي العربي 2008 ((تهديدادت الأمن القومي العربي 2008))

المؤتمر التاسع عشر
 10 - 13 أيار/مايو 2008
  صنعاء - الجمهورية اليمنية



تهديدات الأمن القومي العربي**
إعداد: د. عبد الوهاب القصاب*


* محلل إستراتيجي، عضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي
** لا تعبر هذه الورقة بالضرورة عن رأي الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي.
*** لا يجوز نشر هذه الورقة كلا أو جزءا الا بموافقة تحريرية من إدارة المؤتمر.



تهديدات الأمن القومي العربي


المقدمة:
عولج الأمن القومي العربي من قبل الكثيرين من الباحثين، كما بحث على مستوى العلاقات الثنائية أو متعددة الأطراف بين الدول العربية إلا إن من المثير للاهتمام أن ليس هنالك إجماع على كينونة هذا المفهوم على المجال العربي، وقد توصلت الدراسة المرفقة بمحضر اجتماع مجموعة العمل للخبراء والمتخصصين لتنفيذ قرار اجتماع الجامعة العربية على مستوى القمة الرقم 336 بشأن الأمن القومي العربي المنعقد في القاهرة 18 - 19 يوليو 2007 إلى اقتراح التحديد التالي لمفهوم الأمن القومي العربي بمعناه الشامل:
فمفهوم الأمن القومي العربي ينصرف إلى قدرة الدول العربية مجتمعة كليا أو جزئيا على الدفاع عن نفسها وحقوقها وصيانة استقلالها وسيادتها وسلامة أراضيها وتقوية ودعم هذه القدرات بتنمية الإمكانات العربية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية والثقافية والتقنية استنادا للخصائص الجيوسياسية والسياسية والحضارية التي تتمتع بها أخذا بالاعتبار الاحتياجات الأمنية الوطنية لِكُلّ دولة والإمكانات المتاحة والمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية التي تؤثر على الأمن القومي العربي الذي يعتبر الركن الأساسي في الأمن الإقليمي وفي استقرار المنطقة كما إن مفهوم الأمن القومي العربي يعتبر وسيلة للحفاظ على الانتماء القومي وتعزيز الهوية العربية ويمثل عنصرا أساسيا في الربط بين الدول العربية وصيانة مصالحها الوطنية والقومية وتحقيق نمائها.
لا يخفى إن هذا تعريف طويل جدا يتضمن خلطا لمفاهيم أمنية متعددة لا يمكن معها إعطاء صفة محددة للأمن القومي العربي كما تقتضي الضرورة وسنناقش المفهوم الملائم لاحقا.

متطلبات الأمن القومي العربي:
من المهم معرفة أية متطلبات ينبغي أن تكون موجودة في الحالة التي يتم التعامل معها لكي نصل إلى قناعة أن الحالة المعنية تحفظ وتصون أمن الأمة العربية وبهذا فأن متطلبات الأمن القومي العربي في هذه الحالة تعد وكأنها قد تحققت.
عندما نطلق مفهوم الأمن القومي العربي نعني به أن يكون:
• متكاملا.
• واقعيا ومنطقيا.
• قابلا للتطبيق.
• ذو قابلية على الردع.
• إنسانيا
• مفهوما
• تيسر الموارد اللازمة له ولمفرداته وأدوات تنفيذه
إذا ما افترضنا أن التوصيف السابق صحيحا وإذا ما طابقناه على التعريف الذي أوردناه في المقدمة سنرى أن التعريف الوارد في المقدمة رغم أنّه جاء واسعا إلا أنّه يحمل بين طياته معنى فضفاضا قد يجعل من الصعوبة بمكان تطبيقه وبهذا فأن التحدّث عن احتمالات الخرق الواسعة للأمن القومي العربي ستكون كبيرة. ناهيك عن أن التعريف الوارد أعلاه قد وضع على الأمن القومي العربي تحفظين خطيرين يحدان من إمكانية تحقيقه وهذان التحفظان هما ربط الأمن القومي العربي بالمتغيرات الدولية والإقليمية وبالإمكانات المتاحة لِكُلّ دولة، وهي تطورات قد تتجاوز إمكانات الأمة من جهة وقد تلجم الحركة لتطبيقه لأنها تكبح إرادات الدول المفردة على الانحياز لمتطلبات الأمن القومي العربي على حساب المتغيرات الدولية والإقليمية وهي حالة استمرت منذ انفراط عقد الإجماع العربي تلقي بثقلها على الإرادة السياسية للدول العربية المفردة لتقديم الأمن القومي العربي على الأمن الإقليمي. ففي الأزمات التي كانت إقليمية المنشأ أملت متطلبات الحالة الإقليمية وليس متطلبات الأمن القومي العربي نفسها على شكل التصرف المطلوب عربيا، شهدنا هذا في حالة الحرب العراقية الإيرانية حيث اصطفت بعض الدول العربية إلى جانب إيران على الضد من متطلبات الأمن القومي العربي وكذلك في حالة الكويت التي شهدت نشوء مصطلح دول الضد مشيرة لاصطفاف أو تأييد أو سكوت بعض الدول العربية عن احتلال النظام العراقي غير المشروع للكويت، وهنا أيضا فأن تدويل الأزمة قد سحب من يدّ الأمة العربية إمكانية التدخل على المستوى العربي لحلّ الأزمة عربيا ولا يصحّ ادعاء عدم قدرة النظام العربي لو أراد أن يجد لها حلا. ولعل أكثر الأمثلة وضوحا على انهيار النظام الأمني العربي هو القرار الأمريكي بغزو العراق وتنفيذ هذا الغزو فعلا، وهنا فأن المتطلبات الدولية تطابقت مع المتطلبات الإقليمية ومتطلبات دول منفردة تسعى لتدمير النظام العراقي لتحقيق مصالحها (أ وأمنها؟).
شهدنا في الحالة التي أوردناها آنفا تطابقا نادرا بين المصالح الدولية والإقليمية ومصالح بعض الدول المنفردة في حين شهدنا غيابا واضحا للمصالح القومية العربية ولمتطلبات الأمن القومي العربي اللازمة لتحقيقها، وهنا فأن من الحق التساؤل، هل أن مصالح الأمن القومي قد غابت إلى الأبد وبهذا فأن علينا أن نبحث عن أمن قومي مدجن لكي يبقى هذا المصطلح والمفهوم ساري المفعول.

واقعية مفهوم الأمن القومي العربي:
لقد سبقت الإشارة إلى أن الواقعية تعد أحد أهم الخصائص والسمات اللازمة للأمن القومي التي ستسهم لو وجدت في بناء أمن قومي عربي قابل للتحقيق. فهل أن الوضع الحالي للأمة العربية يجعل من الأمن القومي العربي واقعيا؟ وهل أن حجم التهديدات الموجهة إليه تجعل من مقاومتها أمرا ممكنا؟
إن الأمن القومي ابتداءً هي حالة ذهنية ينبغي وجودها لكي ننتقل إلى المرحلة اللاحقة الخاصة بدراسة الحالة واستنباط نظرية الأمن القومي اللازمة التي تلبي هذه المتطلبات وهي دراسة ينبغي أن تتسم بذاتها بالواقعية لكي تتوصل إلى استنتاجات منطقية تتطابق مع الواقع الأمر الذي سيساعد على صياغة هذه النظرية استنادا إلى عناصر حقيقية متوفرة ولكي يتم التوصل لهذا لا بدّ من مناقشة أهم المتطلبات اللازمة لصيغة نظرية الأمن القومي العربي:
• الإرادة السياسية.
• تحديد المصالح القومية العربية
• تحديد عناصر التهديد التي تعاني منها المصالح القومية العربية
• القرار فيما إذا كان هنالك عدو محتمل (أو أعداء محتملين)
• تحديد التحالفات الممكنة التي تصب في مصلحة الأمن القومي العربي
• حساب المتطلبات ومقارنتها بالمتيسرات
• وضع الخريطة الشاملة لنظرية الأمن القومي العربي، وتأتي شموليتها من:
1. اتّساع رقعة الدول العربية
2. كثرة عدد هذه الدول (22 دولة)
3. كثرة عدد دول الجوار الجغرافي للأمة العربية وتعدد مصالحها وتقاطعها في بعض الأحيان.
4. البعد الدولي الحاكم بالوجود الفعلي على الأرض العربية
5. تفاوت الوضع السياسي الداخلي للدول العربية وتفاوت الوضع الاقتصادي للدول العربية المعنية بنظرية الأمن القومي العربي.
6. أنماط التحالفات البينية العربية ومدى تأثيرها سلبا أو إيجابا على صياغة نظرية الأمن القومي العربي.
7. أنماط التحالفات الإقليمية والدولية ومدى ندية هذه التحالفات بما يؤثر على الأمن القومي العربي، ولا يغيب عن بالنا أولوية اتّفاقات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل ومعاهدة السلام الأردنية - الإسرائيلية على ما سواها من التزامات بين مصر والأردن (وإسرائيل) ودول العالم الأخرى وهنا أيضا فإن الأذى الذي تعرض له الأمن القومي العربي في هذا المجال وأضح.
8. وأخيرا نركز على الاختراق العميق الذي تعرض له الأمن القومي العربي نتيجة للاختراقات الصهيونية والأمريكية والإيرانية وأثره السلب العميق على صدقية الالتزام القومي العربي ونشير لحادثتين هما تحفظ الوفد العراقي على الصيغة التوفيقية حول حقّ الإمارات بالجزر المحتلة والموقف العربي السلبي من الحصار الصهيو - أمريكي لشعبنا في غزة

وصف الوضع الجيوستراتيجي للأمة العربية:
لعل من قدر الوطن العربي أن تقع كتلته البرية بتماس مع أنماط جيوستراتيجية مختلفة وغير متجانسة الأمر الذي كلا منها نمطا متغايرا من أنماط التهديد الذي يدفع كلّ منها باتجاه قد تكون الإجراءات المتخذة للتعامل معها يتقاطع مع إجراءات متخذة على جبهة أخرى. ينحصر الوطن العربي بين رأس الحدّ على البحر العربي شرقاً وموريتانيا على المحيط الأطلسي غرباً الأمر الذي يفتح الوطن العربي على جوار جغرافي وإستراتيجي مع القارات الثلاث التي تشكل العالم القديم، بل وبكون الرابط الإستراتيجي بينها الوطن العربي وأوروبا التي تمثل الغرب الصناعي الآن يفرض الزامات إستراتيجية تضع على الأمة العربية قيودا وحدودا في تعاملها مع أوروبا (والغرب من ورائها) تختلف عن تلك التي يتطلبها الجوار الأسيوي ممثلا بإيران والجوار الموارب لجنوب أسيا، ورغم أن البر الاناظولي لتركيا يمثل جوارا تركيا للعرب وأن تركيا بسبب أنماط تحالفاتها ونظامها السياسي تود اعتبارها امتدادا أسيويا لأوروبا، إلا أن أسيوية الاناظول تفتح الجوار التركي للعرب على بيئة البحر الأسود والقفقاس وبحر قزوين وروسيا. ومن الناحية الأفريقية يفتح الجوار الأفريقي الشاسع الامتداد الوطن العربي على ثلاث بيئات أفريقية فرعية هي بيئة وأدى النيل وشرق أفريقيا وبيئة الصحراء الكبرى وبيئة المغرب الأقصى المشاطئة للمحيط الأطلسي. وقد تمخض عن هذا الجوار نشوء بيئات جيوستراتيجية فرعية تتبع الأقاليم الفرعية التي يجاورها الوطن العربي وتتمايز فيمل بينها بسمات ومزايا تجعل كلّ من المصالح المتبادلة (المتطابقة والمتقاطعة) لها مع الأقاليم الفرعية للوطن العربي تتمايز فيما بينها لحد الاختلاف، بل قد نجد أن إقليما فرعيا عربيا واحدا يجاور إقليمين جيوستراتيجيين أو أكثر مما يلقي بثقله على متطلبات الأمن القومي العربي لِكُلّ من هذه البيئات المختلف.
يمكن إيراد الأقاليم الفرعية للوطن العربي وما يقابلها من بيئات جيوستراتيجية مجاورة بما يلي:
• إقليم ا لمشرق العربي ويتألف من كتلة الهلال الخصيب الجغرافية التي تضم العراق وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين وإسرائيل. يقابل هذا الإقليم الأقاليم والدول التالية: إيران من الشرق وتركيا (وحلف الناتو) من الشمال وإقليم البحر الأبيض المتوسط وأوربا من الغرب الخليج العربي من الجنوب.
• إقليم الخليج العربي ويعد جزاً من إقليم المشرق العربي ولخصوصيته اعتبرناه إقليما بذاته ويتألف من الدول التالية: العراق (انتماء وتأثيرا) والمملكة العربية السعودية والكويت والبحرين وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان وإيران.
• تعد إيران ذات التأثير الكبير في هذا الإقليم المؤثر الأساسي الإقليمي على الوضع الأمني فيه والوجود الأمريكي والخلافات الأمريكية الإيرانية تعد أكبر مهدد للأمن القومي العربي في هذا الإقليم العربي المهدد. يجاور هذا الإقليم إقليم جنوبي أسيا وقد تنسكب بعض تأثيرات هذا الإقليم عكسيا على إقليم الخليج العربي إذا ما تأزم الموقف الأمني فيه.
• إقليم البحر الأحمر ووادي النيل ويضم جمهورية مصر العربية والسودان والمملكة العربية السعودية وجمهورية اليمن وجيبوتي من الجانب العربي ويجاوره إثيوبيا واريتريا فضلا عن أوغندا وأفريقيا الوسطى وكينيا والكونغو من إقليم أفريقيا الوسطى يتأثر هذا الإقليم كثيرا بإقليم أفريقيا جنوب الصحراء بسبب أزمة دارفور. وتعد إثيوبيا واريتريا عاملي عدم الاستقرار المحتمل في هذا الإقليم.
• إقليم القرن الأفريقي والساحل الشرقي لأفريقيا ويتضمن جيبوتي والصومال واليمن من الجانب العربي وكينيا وأثيوبيا وتنزانيا من الجانب الأفريقي ويتفاعل هذا الإقليم مع إقليمي وأدى النيل والبحر الأحمر. إلا أنّه يتعرض للاختراقات الإثيوبية والأمريكية والصهيونية مباشرة أو بالواسطة.
• إقليم شمال أفريقيا ويتضمن دول الاتحاد المغاربي العربي (ليبيا وتونس والجزائر والمغرب العربي وموريتانيا). يجاور هذا الإقليم البحر المتوسط (أوروبا الغربية ممثلة بالاتحاد الأوربي والتحالف الغربي ممثلا بالناتو) هذا الإقليم من الشمال ويجاوره من الجنوب إقليم أفريقيا جنوب الصحراء وإقليم غرب أفريقيا.
• نجد هنا النزعة الفرانكفونية تحاول التشبث بوجودها عبر الأشتات والمصالح الكونية الرامية لتمزيق الأمة العربية تعبر عن نفسها عن طريق التركيز على المتوسطية ومفهوم الشرق الأوسط شمال أفريقيا والمصالح الكونية الرامية لتمزيق الأمة العربية تعبر عن نفسها عن طريق التركيز على المتوسطية ومفهوم الشرق الأوسط شمال أفريقيا (MENA).

إسرائيل والأمن العربي القومي:
رسخت الهزائم المتكررة التي عاني منها العرب في مجابهتهم مع إسرائيل قناعة مفادها أن لا فائدة من الصراع العسكري المباشر مع إسرائيل وأن من الضروري البحث عن وسائل أخرى للصراع وقد أعلنت الدول العربية عن ذلك بتبنيها سياسة الأرض مقابل السلام بل وأن أكثر الدول العربية حدية في الصراع مع إسرائيل وهي سوريا أعلنت أن السلام خيار إستراتيجي لها، ومن هنا فقد غابت إسرائيل في كونها عنصر التهديد الرئيسي للأمة العربية من ناحية الإجماع والزامات معاهدات السلام على الأقل، ولا يخفى أن غياب الإجماع سيتمخض عنه غياب التخطيط الإستراتيجي لمجابهة التهديد الأمر الذي فتح المجال لأعداء محتملين آخرين بدلا من إسرائيل في عمليات التخطيط الإستراتيجي للدول العربية نظراً لأنه لا بدّ من وجود عدو محتمل. فمن هو العدو المحتمل للدول العربية المنفردة بعد غياب الإجماع؟
سيناقش هذا الموضوع كلّ كتلة إستراتيجية في الوطن العربي.

كتلة المشرق العربي:
تتألف هذه الكتلة من العراق وسوريا والأردن ولبنان وفلسطين وتضم عنصر التهديد الرئيسي للأمة العربية الذي لم يعد عليه إجماع الآن وهو (إسرائيل) وبغياب الإجماع يمكننا بيان مصادر التهديد للدول العربية المنفردة المؤلّف لهذه الكتلة وكما يلي:
العراق:
تلمع على الساحة العراقية بؤرة الضوء ربما الوحيدة التي تضيء العمل العربي وترسم التحدي للمشروع الإمبريالي الدولي وهي المقاومة العراقية
تعد (الحكومة العراقية) غير الشرعية الإرهاب الأصولي المرتبط بالقاعدة هو عنصر التهديد الرئيسي لها وتومئ الحكومة المبنية على أساس طائفي لدول الجوار العربي سوريا والأردن والسعودية باعتبارها منطلقات للتهديد ولم نعد نرى لإسرائيل موقع في عناصر التهديد للعراق من وجهة نظر هذه الحكومة العراقية الحالية التي تنظر إلى إيران كحليف وصديق لها وكذلك للمحتل الأمريكي علما بأن الطرفين المشار إليهما هما المهددان الرئيسيان الأمن العراق وسيادته واستقراره وتعد الصيغة الطائفية الأثنية التي ادخلها المحتل التهديد الأساسي للسلم الأهلي الداخلي وتهدد الجوار العربي بأوخم العواقب فيما لو تفاقمت تأثيراتها.
هناك تحسب ونظر إلى تركيا باعتبارها تهديداً من قبل الأكراد في شمال العراق نظراً للموقف التركي الرافض لأي شكل من أشكال الاستقلال كردستان العراق والموقف التركي الرافض لضم كركوك إلى إقليم كردستان العراق وقد باشر الأتراك مؤخراً عمليات مطاردة مقاتلي حزب العمال الكردستاني داخل العراق بالمدفعية وهنا لا بدّ من أخذ العراق بوضعه الحالي بالاعتبار عند تحديد مصادر التهديد واتجاهاتها.

الجمهورية العربية السورية:
لا زالت سوريا تعد الكيان الصهيوني مصدر التهديد الأوّل لأمنها الوطني ويعد الاحتلال الأمريكي للعراق بدأت تنظر للعراق المحتل مصدراً للتهديد الذي مصدره القوات الأمريكية في العراق. تعد سوريا إيران حليفاً إستراتيجياً وتعتبر جسراً لمد النفوذ الإيراني إلى لبنان عبر جماعة حسن نصر الله يعد الإرهاب الذي مصدره القاعدة ومنظماتها عن مهددات الأمن القومي السوري كما تنظر سوريا بعين القلق إلى التهديد المنبعث من كردستان العراق الذي يشكل دافعاً لطموحات قومية كردية مماثلة للأقلية الكردية في سوريا.
لبنان:
من الناحية الرسمية الاسمية يعد الكيان الإسرائيلي مصدر التهديد الأوّل للبنان، وقد ثبت ذلك بالحجم الكبير من الدمار الذي أحاق بلبنان نتيجة حرب يوليو 2003 إلا أن الانشقاق الخطير الذي حصل بين فريق السلطة الذي يمثله فريق (14 آذار /مارس) والمعارضة الذي يمثلها جماعة حسن نصر الله وحلفائه (جماعة 8 آذار /مارس) جعل كلّ فريق ينظر لنمط آخر من أنماط التهديد ففريق السلطة يرى الآن إن سوريا (وإيران) هما المهدد الأوّل لأمن لبنان القومي، في حين ترى المعارضة التي يمثلها السيد حسن نصر الله وحلفائه أن كلّ من سوريا ولبنان شقيقين حليفين وأن الكيان الصهيوني وأمريكا هما مهددا الأمن الوطني اللبناني.
إن هذا التقاطع في المواقف جعل حزب الله يأخذ المبادرة ويختطف جنديين إسرائيليين أوائل تموز/ يوليو 2006 الأمر الذي تمخض عنه قيام إسرائيل بشن هجوم واسع النطاق على لبنان خلف تدميرا هائلاً في البنية التحتية والخدمات فضلاً عن خسائر في الأرواح وقد فتح العدوان الإسرائيلي المؤيد أمريكياً الباب لاتخاذ قرار في مجلس الأمن الدولي يدعو لدخول الجيش اللبناني إلى الجنوب وتدعيم قوة اليونيفيل وتخويلها صلاحيات ضاربة ونزع سلاح جماعة حزب الله. وبهذا فقد تمّ تدويل الأزمة اللبنانية بشكل خطير.

المملكة الأردنية الهاشمية:
وقعت المملكة الأردنية الهاشمية اتفاقية سلام مع الكيان الصهيوني (إسرائيل) عام 1994 وقطعت شوطاً لا بأس به بالتطبيع مع (إسرائيل) من الناحية الرسمية فحسب، ومن هنا لم تعد إسرائيل على ما يبدو عنصر التهديد الأوّل لأمنها القومي من الناحية الرسمية على الأقل وليس من ناحية الشعور الشعبي وإن كانت لا تنفي شعورها بالتهديد فضلا عن خشيتها بالأخص من حلّ القضية الفلسطينية على حسابها سواء بلجوء (إسرائيل) في مرحلة ما إلى سياسة الترانسفير لحلّ أزمتها الديمغرافية مع عرب (إسرائيل)، أو باعتبارها مع الضفة وغزة وطن العودة للفلسطينيين في الشتات. تتحسس الأردن من الفلسطينيين في أراضيها والذين يشكلون حوالي 60% من عدد سكانها خشية انتقال الخلافات الفلسطينية إلى داخل الأردن.
تدرك الأردن أن الإرهاب هو المهدد الأوّل لأمنها الوطني وتنظر بعين الريبة لمخططات ومحاولات إيران تشييع قطاعات من الشعب الأردني مستغلة الوضع الاقتصادي وحالات من الفقر والفاقة والصرف على بناء وتطوير ضريح عبد الله بن جعفر بن أبي طالب في مؤتة لاتخاذه بؤرة للتشييع في الأردن كما جرى مع ضريح السيدة زينب في دمشق.

السلطة الفلسطينية:
بعد اتخاذ إسرائيل قرار اجتياح منطقة السلطة الفلسطينية لقمع الانتفاضة الثانية بدأ الوضع الداخلي في أرض السلطة يميل للتفاقم وتصاعد التنافس الداخلي بين فتح وحماس إلى درجة بدأت كلّ من الحركتين تنظر إلى الأخرى بأنها عامل التهديد الأساسي لها.
بعد اتخاذ حماس قرار السيطرة العسكرية على غزة انقسمت أراضي السلطة إلى قطاعين تسيطر حماس على أحدهما (غزة) وفتح على الآخر (الضفة) دون أن ننفي احتمال استئناف الصراع مرة أخرى الأمر الذي سيقود إلى مزيد من التشرذم. دخل العامل الدولي والإقليمي على الصراع لينتج تأييداً أمريكياً إسرائيلياً ومن العرب (المعتدلين) لفتح وإيرانياً سورياً لحماس وهكذا يبدو أن إسرائيل للطرفين قد تراجعت في أولويات التهديد بعد أن أصبح التهديد المتبادل هو الأساس.

إسرائيل:
لقد عانت إسرائيل هي الأخرى من صواريخ المقاومة اللبنانية وألحقت بها خسائر ولم تسجل سابقاً في صفوف مدنييها ومن هنا بدأت تشعر بالتهديد حقيقة. بشكل الحرب اللامتماثلة التي يمكن أن تشنّ عليها والتي ستجعلها واهنة حيالها إذ ستفتقد وسائل الرد والردع العسكري التي تتوفر عليها.
هنالك أكثر من مشكلة في إسرائيل لم يجد السياسيون الإسرائيليون لها حلاً حتّى الآن وهي:
• الوضع الديمغرافي الذي أضحى يميل لتزايد نسبة الفلسطينيين إلى عدد السكان الإجمالي داخل الخط الأخضر.
• التهديد الذي تشعر به إسرائيل من المقاومة الفلسطينية.
• التهديد الذي لازالت تشعر به من جهة المقاومة اللبنانية.
• التهديد الذي بدأت تشعر به من جهة سوريا إذ ما اختارت أسلوب الحرب اللامتماثلة لتحرير الجولان
• حالة الاستهجان الدولية لتصرفاتها على الصعيد الإنساني بحيث لم يبقى لها مساند إلا الولايات المتحدة.
• بطء التطبيع الذي كانت تتوقعه بعد توقيعها اتفاقات التسوية مع الدول العربية المجاورة.
خلاصة عناصر التهديد للمشرق العربي:
1. الإرهاب وأدواته ووسائله.
2. تهديد الاختراق الإمبريالي المتمثل بالوجود الأمريكي الاحتلالي في العراق والحضور الأمني في الخليج العربي
3. التهديد الإيراني.
4. التهديد الإسرائيلي.
5. التهديد البيني.
6. التهديد الداخلي.
كتلة الخليج العربي:
تضم كتلة الخليج العربي من الناحية الجيولوليتيكية دول مجلس التعاون الخليجي الست (قطر والبحرين والسعودية والكويت ودولة الإمارات وسلطنة عمان) فضلاً عن العراق وإيران. يمكن وضع الإطار التالي للتهديدات التي تتعرض لها كتلة الخليج العربي أو يمكن أن تتعرض إليها:
1. مثلت إيران على الدوام عنصر تهديد أول لدول مجلس التعاون مهما كان نظام الحكم القائم فيها في حين أن نظام الحكم في العراق كان هو الذي يمثل عنصر تهديد لدول مجلس التعاون الخليجي كما شهدنا في الأزمة العراقية الكويتية بعد أن كان واحدا من مرتكزات الضمان العربي لموازنة التهديد الإيراني.
وبهذا وعند النظر إلى الوضع الراهن وبعد غياب القدرة العراقية الموازية للقدرة الإيرانية والمحيدة لها أصبحت إيران تمثل عنصر التهديد الأساسي لدول مجلس التعاون الخليجي إقليميا.
2. ويعد الوضع الداخلي الملتهب في العراق عنصر التهديد الثاني لأمن دول مجلس التعاون الخليجي لأن تأثيراته العكسية ستعم دول المجلس لقربها الجغرافي من العراق وللتواصل السكاني. ستتأثر كلّ من الكويت والبحرين والمملكة العربية السعودية أولاً بهذا التهديد.
3. ويمثل الوجود العسكري الأمريكي في الخليج وحالة الاحتقان بين إيران والولايات المتحدة التي لو تطورت إلى مجابهة عسكرية سيكون الوجود الأمريكي في دول مجلس التعاون الخليجي عبئاً ومهدداً أمنيناً.
4. وتمثل الجاليات الأجنبية (الأسيوية على وجه التحديد) عنصر تهديد للسلم الأهلي ولأمن دول مجلس التعاون الخليجي نسبتها العالية إلى عدد السكان ولتباين أصولها وثقافاتها ومرجعياتها. ويشكل التهديد النووي الإيراني بالدرجة الأولى تهديداً أمنياً خطيراً لدول مجلس التعاون الخليجي.
5. وتقتضي الضرورة التحسب لتوازن الرعب النووي بين الهند وباكستان اللتان تمثلان الجوار المباشر لدول المجلس ومن جهة الجنوب الشرقي.

خلاصة عناصر التهديد لإقليم الخليج العربي:
1. التهديد النووي وما يشكله الخيار النووي الإيراني.
2. التهديد الناجم عن تفاقم الوضع في العراق.
3. الإرهاب.
4. التهديد الناجم عن الوجود العسكري الأمريكي وعن الصراع الأمريكي الإيراني على النفوذ في الخليج العربي.
5. التهديد الناجم عن الهجرة الأجنبية في الخليج العربي.
إقليم وأدى النيل:
يضم إقليم وأدى النيل كلّ من مصر والسودان بشكل رئيسي وتقع الدول غير العربية التالية في المنطقة الجغرافية نفسها: أثيوبيا وارتريا وتشاد وأوغندا وأفريقيا الوسطي والكونغو كينشاسا وكينيا والصومال وجيبوتي وهكذا سيضم هذا الإقليم إقليم البحر الأحمر أيضا الأمر الذي يقتضي منا إضافة كلّ من المملكة العربية السعودية واليمن وجيبوتي عند مناقشة هذا الإقليم لتبادل التأثير بين الإقليمين.
ومن هنا سنأخذ عناصر التهديد التي تشعر بها دولتي الإقليم الأساسيتين (مصر والسودان) ثمّ سنعرج على اليمن والصومال وجيبوتي ذلك لأننا سبق وناقشنا عناصر التهديد التي تتعرض لها السعودية ضمن كتلة الخليج العربي.
تعاني مصر من هاجس الإرهاب كعنصر أساسي للتهديد ولازالت إسرائيل تحتل أولوية ضمن التهديدات التي تتعرض لها مصر، فضلاً عن التهديد الذي يتعرض له السلم الأهلي نتيجة الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين (الأقباط).
أما السودان فهي مفتوحة على طيف كبير من التهديدات أغلبها داخلية في دارفور وشرق السودان وهنا سيكون التهديد الخارجي والداخلي الموجه إلى الوحدة الوطنية السودانية بمثابة التهديد الأوّل، ولم تصل العلاقة المستجدة مع إقليم الجنوب لدرجة من الرصانة يمكن الاعتماد عليها إذ لازالت العلاقة بين الحكومة المركزية والجبهة الشعبية لتحرير السودان تتسم بالقلق وعدم الاستقرار. يمثل الضغط الأمريكي على السودان عبر قضية دارفور تهديداً كبيراً لأمن وسيادة السودان.
تنذر الفتنة الطائفية بأن تكون عنصر تهديد كبير في اليمن فضلاً عن تهديداً آخر يهدد السلم الأهلي وهو عودة الاحتكاكات والحساسيات بين الشطرين السابقين إلى الظهور على شكل اعتصامات أو تظاهرات أو احتجاجات على الهيمنة الشمالية على شؤون الحكم. لم تكن اليمن آمنة من الإرهاب المنتشر الذي يطل برأسه بين الحين والحين.
خلاصة التهديدات في إقليم وأدى النيل والبحر الأحمر:

1. التهديد الذي يعاني منه السلم الأهلي والوحدة الوطنية.
2. التهديد الناجم عن التدخل الخارجي في الخيارات الوطنية (الأمريكي على وجه التحديد).
3. التهديد الإسرائيلي.
4. طموحات أثيوبيا المثيرة للقلق.

إقليم المغرب العربي:
لأزال الخلاف الجزائري - المغربي حول الصحراء يمثل عنصر الإقلاق الأمني الأساسي في المنطقة فضلاً عن استباحة المياه الإقليمية ومنطقتها الاقتصادية للمغرب وموريتانيا وعدم قدرتهما على حماية هذه المناطق على بما تيسر لها. لازالت الجزائر تعاني من التهديد للسلم الأهلي الذي تمثله الحركة الإسلامية، وتطل الحركة الامازيغيه برأسها بين الحين والآخر مهددة الوحدة الوطنية.
خلاصة التهديدات لإقليم المغرب العربي:
1. التهديد الإرهابي.
2. التهديد الموجه للسلم الأهلي.

هل يصلح النظام الأمني العربي الحالي للدفاع عن الأمن القومي العربي؟
لعل استعراض التهديدات المشار إليها تبين قصور النظام الأمني العربي فاتفاقية الدفاع المشترك وما تمخض عنها لم تعامل بالجدية المطلوبة كما لم تضع الدول العربية نظرية أمنها القومي القابلة للتطبيق ونحن نرى أن يتم إعداد دراسة تهدف لصياغة نظرية الأمن القومي تتبناها كلّ الدول العربية وتوضع آليات خاصة لتنفيذها، يتطلب الأمر تغييراً هيكلياً مؤسساتياً للجامعة العربية ينقلها من منتدى إلى مؤسسة اتحادية على غرار الاتحاد الأوربي وتصوغ السياسات والإستراتيجيات وتلتزم بتنفيذها جميع الدول العربية. وهذا ما سنعالجه في القسم الثاني من هذه الدراسة.

القسم الثاني
صياغة نظرية الأمن القومي العربي

العناصر الدافعة لصياغة مفهوم الأمن القومي العربي:
وبعد كلّ ذلك، لنتلمس ماذا بقي للعرب من مبررات لصياغة مفهوم أمنهم القومي على هداها... وكمحاولة تحليلية ندرج الأمور التالية:

1. القيم العربية المتبادلة التي تعبر عنها الهوية الحضارية العربية والشخصية، والقيم والمثل والدين والتراث المشترك والدور الإنساني في العلاقات العربية:
2. الموقع الإستراتيجي العملاق للأمة العربية في قلب العالم.
3. الثروات العربية الهائلة.
4. حجم الأطماع الكبيرة الموجهة للدول العربية، فرادي أو مجتمعة من دول خارجية ودول إقليمية.
5. عدم ثبات التحالف مع القوى الأجنبية التي تدفعها مصالحها، وليس مصالح فرادي صغار.
6. التهديد الدائم الذي تمثله (إسرائيل) والذي سوف لن ينتهي حتّى بعد توقيع ما يسمّى باتفاقيات التسوية، لأن أحلام القادة الإسرائيليين واسعة، نرى بعضها منها واضحاً في كتابي "الشرق الأوسط الجديد - لشمعون بيرس" ومكان تحت الشمس - لنتنياهو.
7. إجماع الرأي العالم العربي، على ضرورة التوحيد، وقد بدا ذلك واضحاً فرّ ردود الفعل العربية الجماهيرية، على حالات العدوان على العراق، وموقفها من الحصار الذي فرض عليه وموقفها الرافض لغزو العراق واحتلاله من قبل الطاغوت الدولي. 

وخلاصه لِكُلّ ما ورد نقترح التعريف التالي للأمن القومي العربي:
"إن الأمن القومي العربي هو جملة الأفعال والأنشطة الموجهة للحفاظ على قيم الأمة العربية الأصلية، وشخصيتها المميزة ودورها الإنساني وللدفاع عن سلامتها الإقليمية وموقعها الفريد وثرواتها، متجاوزة كلّ احتكاكات القطرية العابرة".

مؤسسات الأمن القومي العربي:
عند محاولتنا نقل التعريف الذي سبقت الإشارة إليه، إلى الوضع واضعين نصب أعيننا، بأن كماً هائلاً من تهديدات الأمن القومي، تأتي من الانكشاف الإستراتيجي العربي، على المحيط الهندي وامتداداته المتمثلة في البحر العربي والبحر الأحمر والخليج العربي، بقواه المختلفة والتي تمثل الولايات المتحدة أخطرها، ناهيك عن القوى الإقليمية، ثمّ الدور التهديدي الخطير الذي تلعبه (إسرائيل) في المسرح الإستراتيجي للمحيط الهندي، وفي أحد أهم ممراته البحرية (باب المندب، البحر الأحمر، قناة السويس)، لا بدّ لنا من إلقاء نظرة فاحصة على الوضع الراهن.
الوضع الراهن للوطن العربي:
أن سبب التهديد الخطير الذي تعرض له الأمن القومي العربي، في العقد الأخير من القرن العشرين، هو ظهور حالة تمزق خطيرة، طالت حتّى القناعات الأساسية، ومزقت الإجماع العربي، وضربت النظام العربي في أسسه، بحيث منعته حتّى من بحث قضايا مصيرية تتعلق بمستقبل الأمة العربية، مما أفضى للعدوان واسع النطاق على العراق، ابتداء من القرار (661)، في آب / 1990 مرورا بالعدوان العسكري الثلاثيني، ليلة 16/17 ك 2 / 1991 وصولا إلى غزو العراق واحتلاله في آذار /مارس-نيسان /أبريل 2003... ويتصف الوضع العربي الراهن بما يلي:
• دول رأت أن أمنها في المرحلة الراهنة يتطابق مع الضمان الأمني الدولي لذلك رهنت أمنها لإرادة القوى الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، بحكم دخولها بمعاهدات حماية، أطلقت عليها معاهدات التعاون الأمني، ويظهر ذلك واضحا في الخليج العربي خشية من التهديد الإقليمي الذي تستشعره.
• دول تمتلك قيمة جيوستراتيجية عالية وتعوزها الإمكانات للدفاع عنها...
• دول جوار إقليمي ذات أطماع واضحة في الوطن العربي، تمثلها تركيا وإيران وارتريا والحبشة.
• رادع نووي إقليمي على الطوار (Periphery)، ذو تأثير مزدوج، يعمل تبادلياً بين الدولتين النوويتين (الهند والباكستان) وبشكل تتجه تداعياته نحو الخليج العربي والبحر الأحمر أو ضمن قوس تأثيره.
• دولة محتلة كانت حتّى 2003 ذات قدرات رائده، لكن تمّ تدمير قدراتها بالفعل بفعل الاحتلال أيضا... واستشراء نظام العقوبات الذي طال دو لا عربية أخرى (ليبيا والسودان وفلسطين).
• قناعات قطرية انعزالية قصيرة النظر، متراجعة عن الإيمان بوحدة الأمن العربي، خصوصاً بين دوائر وفئات تمّ اختراقها فكريا أو بين نظرة أنانية، رضيت بحياة الدعة والغنى والخمول، متناسية المآسي التي قد يقود إليها هذا الحال...
• جماهير مسلوبة القدرة على الفعل، والو أنّها عبرت عن قناعاتها في لحظات لا تنسى.
• تفكيك للقضية العربية المركزية (قضية فلسطين)، ونقلها من المستوى العربي الشامل إلى المستوى الثنائي، حيث أضحي التعامل معها يشبع التعامل مع قضايا الحدود، وتلعب فيه (إسرائيل) دورا مركزيا مؤيدا من قبل الولايات المتحدة. ثمّ تفتيت الوحدة الفلسطينية داخليا
• وضع دولي أحادي الاستقطاب، قدم للمنطقة محتلا، ممثلا بالولايات المتحدة الأمريكية، مسوقا لنظريات جديدة، تعادى العمل العربي المشترك وتربط مصير أطراف الأمة العربية، بجوارها الإقليمي، كالمتوسطية والشرق أوسطية، وموفرا المشروعية والحماية للأطماع الصهيونية.
الآلية المقترحة للعمل العربي المشترك:
تظل جدلية التقاطع ثلاثي الأبعاد الذي تعززه إشكالية فقهيّة بين الأمن القومي العربي المنشود والأمن العربي المفقود، ولهذه الجدلية السمات التالية:
أمن قطري ذو بعدين، داخلي يختص بآلية الحكم، وانعكاساتها على العلاقة بين السلطة والدولة، وبين مكونات الدولة، الوطن، الشعب / الحكومة من جهة وانعكاس ذلك على العلاقات الخارجية للدولة، ممثلة بالسلطة وآلية الحكم، مع دول الجوار عربية كانت أم غير عربية. ولا شكّ بأن أي تقاطع بين البعدين أعلاه سنسحب آلياً للتأثير على مجمل العلاقات العربية، مع جوارها الإقليمي... فإذا ما نظرنا إلى هذه العلاقات في منظورها الأمني، لتبين لنا كم أن التقاطع بين الأمن الوطني القطري والأمن القومي كبير، بل وخطير أيضاً...
أمن إقليمي، يشمل بعض الدول العربية، وجوارها الإقليمي، وهو يشتق ضرورته في التقاطع الوارد في (1) أعلاه... ولا شكّ بأن أنماط الأمن الإقليمية تتقاطع حتما مع الأمن القومي العربي المفترض، ويمكننا أن نشير إلى حلف بغداد في حينه كمثل على ذلك... وعندما يكون الأمن الإقليمي مؤسساتيا، (كما في حالة حلف بغداد)، يبقي الأمن القومي العربي مفهوماً سائباً دونما تأسيس، أن تأسيسه لم ينتقل إلى حيز الواقع أو الجدية (كما في حالة اتفاق الدفاع العربي المشترك عام 1950م، والوحدة العسكرية العربية في أعقاب مؤتمر القمة العربي سيكون الأوّل في القاهرة (1964م) بأن الضرر الذي سيصب الأمن القومي العربي سيكون خطيراً جداً ويدخل في هذا الإطار اتفاقات التسوية مع العدو الصهيوني التي أخذت أسبقيته على الاتفاقات المنعقدة في إطار جامعة الدول العربية.
أما البعد الثالث من سمات هذا التقاطع، فهو الأمن القومي العربي نفسه، إذ لم يتم لحد الآن إعداد صياغة دقيقة لهذا المفهوم، ولم يتم الاتفاق على الأسس النظرية له على الأقل، كما لم يتم لحد الآن، تعريف التهديد ومنشأة وأدواته وسائله، لم يتم بضوء ذلك إعداد ذلك إعداد وسائل المجابهة... بل أن العدو المفترض للأمة العربية، والذي تمّ التوقيع على اتفاقية الدفاع العربي المشترك وأنشئ جهاز المقاطعة الاقتصادي بسببه، وهو (إسرائيل)، وقد قد اختلف الاجتهادات الآن في مدي معادلته للأمة العربية، وانتقل ليكون أما صديقاً أو جاراً أو شريكاً، أو منافساً. في أسوأ الحالات للكثير من الدول العربية، بل أن بعض الدول العربية (في الخليج العربي مثلاً) بدأت تعرف دولاً عربية أخرى بأنها العدو (التاريخي) بدلاً من كون (إسرائيل) هي العدو.
وهكذا باختلال تعريف العدو، اختل تعريف التهديد وطبيعته وإبعاده ووسائله... فلو قلنا مثلاً أن (إسرائيل) عامل تهديد للأمن القومي العربي في البحر الأحمر، لا نبرى لك من يفند هذا الرأي ويثبت أن إسرائيل جار وشريك تربطنا معهما معاهدات واتفاقيات دولية لا فكاك لها... نشأ من هذه السمات الجدلية الثلاث، إشكال فقهي قانوني مؤداه أن الأمن القومي مفهوم متعلق بالسيادة، أي بالدولة وأن أدواته ووسائله لا بدّ أن تصب في مصلحة الدولة، وأن الانتقال إلى مستوى أمني أعلى من مستوى الدولة يقتضي التنازل عن جزء من مشروعات السيادة لصالح الحالة الأمنية الإقليمية المستجدة، كما في حالتي حلف الأطلسي وحلف وارشو سابقاً. وحلف بغداد. كما إنَّ هذا التوجه يقتضي إعداداً خاصاً لوسائل حماية الأمن (الإقليمي)، مما يقتضي معه الصرف عليه فأين هو الأمن القومي العربي من هذا كلّه... هل هو أمن إقليمي؟ (Regional Security) والجواب، هو أنّه أكبر من ذلك قطعاً، ولكن ما يواجهه من مصاعب وتحديات كبيرة إلى الحدّ الذي يبدو وكأن صياغته أضحت شبه مستحيلة.


كينونة الأمن القومي العربي ومحتواه:
رغم عدم الإشارة إلى مفهوم الأمن القومي العربي، في اتفاقية الدفاع العربي المشترك المعقودة في 13 نسيان / 1950، بشكل واضح، ولكن تمّ التعامل مع هذا المفهوم من زاوية الدفاع. إذ نصت المادة (2)، على أن أي اعتداء يقع على أية دولة (موقعة) يعتبر اعتداء على كلّ البلاد العربية الموقعة على المعاهدة، عملاً بحق الدفاع الشرعي الفردي والجماعي عن الذات، وتبادر الدول الأخرى منفرة ومجتمعة لمعاونة الدولة المعتدي عليها... وبما في ذلك حقّ استخدام القوة المسلحة لرد الاعتداء"، وأشارت المادة (3)، إلى أنّه في حالة حصول خطراً أو وضع دولي مفاجئ، تقوم الدول (العربية) بتوحيد خططها ومساعيها في اتخاذ التدابير الوقائية وأشارت المادة (4) إلى التعاون بين الدول الأعضاء لدعم مقوماتها العسكرية، وأنشأت المادة (5) لجنة عسكرية دائمة من ممثلي هيئات أركان حرب الجيوش العربية، لتنظيم خطط الدفاع المشترك وتهيئة وسائله وأساليبه... كما حددت المادة (6) إنشاء مجلس الدفاع المشترك من وزارة الدفاع والخارجية، أو من ينوب عنهم... ثمّ أشار البروتوكول الملحق بالمعاهدة أي إقامة هيئة استشارية من رؤساء أركان جيوش الدول العربية، للأشراف على اللجنة العسكرية الدائمة.
يقول د. على الدين هلال، ونؤيده فيما ذهب إليه، أن تأسيس أجهزة اتفاقية الدفاع العربي المشترك، المؤسسة بموجب الاتفاقية... ونرى نحن، أن هذه الأجهزة، وهي مجلس الدفاع ولجنة رؤساء الأركان واللجنة العسكرية الدائمة قد أكمل إطارها بعد تأسيس مؤتمرات القمة التي تعتبر مرجعها، وبد أن قرر مؤتمر القمة العربية الأوّل، المنعقد في القاهرة في كانون الثاني / عام 1964م، إنشاء القيادة العسكرية العربية الموحّدة... وبعد أن عرف مؤتمر القمة العربي الأوّل / 13- 17 كانون الثاني عام 1964، بأن قيام إسرائيل هو الخطر الأساسي الذي اجتمعت الأمة العربية بأسرها على دفعه، وتأكد ذلك في (قمة الإسكندرية أيلول 1964م) الداعي لتحرير فلسطين، والذي أيده مؤتمر القمة السادس في الجزائر 26 -28 تشرين ثاني 1973م، بأن قضية فلسطين هي قضية العرب جميعاً، ولا يحقّ لأي طرف عربي التنازل عن هذا الالتزام الذي كان أول من تنازل عنه رئيس أكبر دولة عربية، ثمّ تتابع الآخرون وأخرهم الأردنيون، بعد أن سبقهم الفلسطينيون أنفسهم.
نخلص من ذلك إلى محاولة وضع تعريف شامل للأمن القومي العربي، تجمّع عليه الدول العربية جمعياً، بحيث يتجاوز الاحتكاكات الإقليمية، الحزازات الداخلية بين الدول العربية، ويركز على الأخطار الخارجية التي يمكننا تحديدها بالتالي:
- أخطار إقليمية:
تمثلها (إسرائيل) وتحالفاتها الإقليمية، كالحلف الإستراتيجي التركي - الإسرائيلي أو تنسيقها الأمني مع دول الطوار مثل اريتريا وإثيوبيا، وصلاً إلى الهند. مع عدم نيسان تركيا وسياستها المائية، وإيران وسياستها التوسعية.
- أخطار ما وراء الإقليمية:
وهي تلك الأخطار التي تتجاوز التهديدات التي تفرضها دول الجوار الجغرافي، إيران، تركيا، الكيان الصهيوني)، اريتريا، اثيويبا، أفريقيا جنوب الصحراء بدفع من قوى خارجية) إلى مصالح الدول الخارجية المتقاطعة، الوطن العربي، بسبب الهجرة (المشروعة وغير المشروعة، والشركات متعددة الجنسيات، حقوق المنطقة الاقتصادية الخالصة (E E Z) ومن ضمنها الصيد البحري والتنقيب في قاع البحار، وتهديدات الممرات البحرية والحيوية للأمة العربية... ويمثل المحيط الهندي بيئة ملائمة لهذه التهديدات.
- أخطار دولية:
وهي متأتية من أطماع الدول الكبرى ومصالحها غير المشروعة في الوطن العربي (وفي الخليج العربي بشكل خاص) وعلى رأس هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية ثمّ بريطانيا التي توجت أطماعها بغزو العراق واحتلاله، فالدول الكبرى الأخرى بالتتابع، ولعل من المؤسف أن بعض الدول قد دخلت باتفاقات أمنية مع هذه الدول الكبرى وسمحت بالتواجد العسكري الفعلي للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، بِكُلّ أطماعها في المنطقة، ومعيدة عهداً شبيها بعهد الحماية.
ومن ناحية التهديد الوظيفي، يمكن تقسميه إلى:
- تهديد نووي وتمثله المظلة النووية للولايات المتحدة الأمريكية وتقاطعاتها مع مظلات الدول الكبرى وتهديد نووي إقليمي يشكله الرادع النووي الهندي/الباكستاني والرادع النووي الإسرائيلي والسعي الإيراني للتسلح النووي.
- تهديد تقليدي:
وينقسم بدوره إلى:
- تهديد تقليدي إستراتيجي: يمثله سلاح الصواريخ الموجودة لدى الدول الإقليمية المجاورة للإقليم (الهند، باكستان، إيران، إسرائيل، تركيا).
- تهديد تقليدي بالأسلحة التقليدية: ويمثله العدد الهائل من وسائل القتال التقليدية العابرة".

الآليات والمؤسسات والوسائل:
لقد أمن العمل العربي المشترك، لحسن الحظ المؤسسات اللأزمة لصياغة الأمن القومي العربي، ولكنه اخفق لسوء الحظ في نقل هذه المؤسسات إلى دور الفعل، بسبب كلّ العوامل والمححدات والسلبيات التي رافقت العمل العربي المشترك، والتي تمت الإشارة إليها سابقا.
إن أعلى مؤسسة تتناول موضوعه الأمن القومي العربي، هي مجلس الدفاع المشترك وهو المجلس الذي تأسس، بموجب المادة (6) من اتفاقية الدفاع العربي المشترك لعام (1950) كما سبقت الإشارة إليه... إن هذا المجلس من وجهة نظرنا يمكن أن يتحول إلى مجلس أمن قومي حقيقي، لو تمّ تدعيمه بعناصر إضافية، إضافة لوزراء الخارجية والدفاع. إذ من الضروري تعزيزه برؤساء الأركان العامة للقوات العربية، باعتبارهم الرؤساء المهنيين للقوات المسلحة. وبرؤساء أو مدراء منظمات الأمن القومي (المخابرات العامة والاستخبارات العسكرية)، ووزراء الاقتصاد... ويكون من واجب هذا الجهاز صياغة السياسات الخاصة بالأمن القومي العربي، يرأسه رئيس مؤتمر القمة للسنة أو الدورة المعينه، ويدير أعماله مستشار للأمن القومي العربي، يتناوب على حقيبته مستشارون من الأقطار العربية جميعا، بعد أن يصدر مجلس الأمن القومي العربي، (مجلس الدفاع الحالي) توجيهاته بصدد السياسات الأمنية، وتتولى اللجنة العسكرية الدائمة صياغة هذه السياسات على شكل إستراتيجيات تبلور بخطط إستراتيجية، تعدها اللجنة العسكرية الدائمة، بإشراف اللجنة الاستشارية العسكرية (لجنة رؤساء الأركان المشتركين) حيث يعاد رفع المخطط إلى مجلس الأمن القومي العربي (مجلس الدفاع العربي) الذي يحيلها بدورة إلى مؤسسة القمة العربية، لإقرار هذه الخطط المقترحة لتتحول عند ذلك إلى خطط واجبة التنفيذ. ويرينا المخطط التالي شكل وانسيابية الآليات المقترح استخدامها لضمان الأمن القومي العربي على نحو مؤسساتي وهو أسلوب مجرب ومفحوص عبر الاستخدام الناجح لأسلوب شبيه له في الاتحاد الأوروبي.